على أردوغان تغيير توجهه الجيوسياسي
استقبل فلاديمير بوتين رسالة من الزعيم التركي رجب طيب أردوغان، الذي أعرب فيها عن رغبته في حل قضية مقتل قائد الطائرة "سو-24". جاء هذا "متأخرا ولكنه أفضل من عدم الاعتذار من روسيا". ومن الأخبار المهمة جدا بعد مقتل الطيار الروسي، أن موسكو رفضت رفضا قاطعا إجراء أية محادثات مع تركيا حول أي شيء قبل تقديم اعتذارهم. وجميع هذه الأشهر التي مرت، نحن حقا كنا فيها على وشك حرب حقيقية.
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الوضع السياسي برمته في تركيا وحولها. يواجه أردوغان الكثير من المشاكل في الآونة الأخيرة وأعتقد أنه غير موقفه. أولا، تجميد علاقاتنا الاقتصادية مع تركيا كان ضربة قوية للاقتصاد التركي، والآن هو على وشك الإفلاس. اتضح أن رفاه تركيا يتوقف على روسيا. ثانيا، بدأت الولايات المتحدة بدعم الأكراد السوريين، وبالتالي هذا التعامل يوجه طعنة له في الظهر من قبل شركائه في حلف شمال الأطلسي. لذلك هو بين المطرقة والسندان: بين الأمريكيين، الذين لا يفكرون بإنقاذ أردوغان، بل على العكس من ذلك، يريدون مكانه شخصا أكثر تأييدا للولايات المتحدة مثل داود أوغلو، ومن جهة أخرى عدم وجود علاقات مع الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، اتصل أردوغان ببوتين، لكن بوتين لم يرد على الهاتف. قال إنه حاول بكل الوسائل الممكنة كسر الجمود في الوضع، ولكن جواب الكرملين كان دائما هو نفسه: الاعتذار أولا. وهكذا فإن سياسة الصلابة وخاصة الصلابة الشخصية لبوتين كانت ذات تأثير فعال.
وأوضح أردوغان حول قضية الطيار أنه في الواقع كان هناك مؤامرة مؤيدة للولايات المتحدة ضد أردوغان في تركيا. وكان داود أوغلو وفتح الله غولن يريدان أن يضعا أردوغان في موقف صعب، ثم عزله. عندما تطرق لهذا الموضوع وجد فورا الحجة المناسبة لشرح ما كان عليه الوضع: بسبب استفزازاتهم تحطمت الطائرة الروسية، وعندما بدا التحقيق الداخلي في الوقت المناسب، قدموا لي معلومات خاطئة. والآن لدى أردوغان ما يدعوه للاعتذار لأنه لا يعرف الظروف أو لأنه لم يكن يريد أن يعرف منذ البداية.
الآن سيحصل أردوغان على جميع مزايا الصداقة مع روسيا. وهي كثيرة. تقدم بعض الخطوات تجاهنا واعتذر ثم سيقدم تعويضا عن الطائرة، وبعض التعويضات إلى أسرة الطيار؛ وهي مهمة جدا من الناحية الرمزية. أعتقد أنه سوف يحدث تغييرا جذريا في موقف أردوغان، وأنه سوف يكون في وضع مختلف تماما، لكن ذلك يتطلب الكثير من الأنشطة الجديدة. الأمر ليس مجرد تنفيذ للمتطلبات الروسية، ولكنها الخطوات المنطقية المتعددة التي تصل حتى الانسحاب من حلف شمال الأطلسي وإعادة توجيه تركيا إلى الأوراسية، وليست الخطوات الموالية للغرب، كوسيلة أطلسية للتنمية.
أعتقد أننا لن يكون في عجلة من أمرنا. فإن الخطوة الأولى هي لقاء بين وزير الخارجية التركي شاويش أوغلو ولافروف يوم الجمعة في منتدى سوتشي لدول البحر الأسود. ولكن إذا كان لنا أن نبدأ في فتح هذا الكم الهائل من الملفات، فإنه لن يكون كافيا مجرد العودة إلى العلاقات القديمة. سيتشكل نموذج جديد تماما من العلاقات الروسية التركية، والذي من شأنه أن يستبعد مثل هذه السوابق. وفي الوقت نفسه يجب على أردوغان تغيير توجهه الجيوسياسي.