خطاب قسطنطين مالوفييڤ في مؤتمر التعددية القطبيةِ العالمي
الليبرالية، بصورتها العولمية، أضحت ميتة، إنَّا الآن نشهد معاناتها المُبَرِحة لها، ما كان يعتقد فوكوياما إلى حد قريب بأنه نهايةٌ للتاريخ، ذلك الذي تم تقديمه لشعوب العالم ليس كنهايةٍ للتاريخ فقط، بل كقمةٍ للتاريخ تمثل الوصول إلى وجهته الاخيرة، كمجتمعِ الليبرالية الغربية الديموقراطية، اتضح بأنه لا يتعدى كونه مجرد كذبة، اتضح بأن هذا العالم الليبرالي الديموقراطي ليس إلا عالمًا من الفوضى والعنف والتمييز العُنصري والحقد الكوني، عالم محكوم من قبل الأقليات، وفي بادئ الأمر، كان يُفترض للأقلية الغربية أن تحكم أغلبية العالم الأخرى، مليارٌ واحدٌ يُقَوِّمُ إرادته على السبع ملياراتٍ الأخرى.
كانت هذه هي الحالةُ على مدى آخر مئتي سنة، حيث قامت القوى الاستعمارية بتمييز واستغلال وتصدير الموارد الطبيعية إضافةً إلى العبيد من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
لكن ذلك الزمان قد مضى، وإن الزمن الذي كانت فيه سيادة الجبار العولمي القابع جغرافيًا في الغرب، الذي لم يقتدر حتى على توحيد الأمم الغربية، قد مضى.
إنَّا نرى هذا النظام وهو ينهار بأعيننا، نرى بأن حياة الجبار الأمريكي تقارب نهايتها، وهو يُحاول أن يشن حربًا لاستدامةِ وجوده، كما فعلت الإمبراطورية البريطانية الاستعمارية كونها سلَفًا للإمبراطورية الزائفة الأمريكية، فهل نجحت في مسعاها ذاك؟
إن الإجابة هي لا، في كلتي الحربين العالميتين، اللتان كان يجب أن يخدما غرض توسيع مجد الإمبراطورية البريطانية، انتهيتا بنتيجةِ نمو قوة الولايات الأمريكية المتحدة، بعد الحرب العالمية الاولى والثانية وفي الستينات والخمسينات، بينما كانت الإمبراطورية البريطانية تزول بكل بساطة.
وإن الولايات المتحدة، التي جعلت العالم برمته إمبراطوريتها الاستعمارية، تفرض قواعدها على شعوب العالم وترغمهم على الدفع بالدولار الأمريكي وفي الوقت نفسه تفرض قيمها المضادة للمسيحيةِ والمدعوةِ بالليبرالية المشكك فيها، وهي تحكم العالم وحتى تُطلق عليه تسمية پاك أميريكانا (تيمنا بالإمبراطورية الرومانية ووسع ملكوتها).
ولكن في نفس الوقت، إن فوكوياما الذي ادعى بأن التاريخ سينتهي وهو يُقارب قمته، هو ينتمي لأمريكا التي هي كذلك وطنٌ لصامويل هينتنغتون، الذي كتب ما في مفاده بأن العالم مكونٌ من حضارات، وهذا جعله ليس خلفاً لأرنولد توينبي فقط، المفكر الإنجليزي، بل كذلك لنيكولاي ياكوفليفيتش دانيالفيسكي، والذي كان مبتكرًا مساريًا، الذي اكتشف منهجا حضاريا للتعامل مع التاريخ البشري، وهو مفكر روسي وفيلسوف، والذي كان ليبلغ من العمر مئتي سنة في العام الماضي.
إن المنهج الحضاري يؤشر إلى أن الحضارات المُختلفة هي متساوية، وتتمتع باحترام مشترك، وتنطلق من حقيقة أن خالقنا وخالق الكون، قد خلق العالم وجنسنا الذي كان يكون متفرعًا من آدم كأصل واحد لكنه اتخذ مسارات متعددة، لكي يخوض مهمته التاريخية ويكتشف مهارته الحضارية التي تتجسد في شعوب مختلفة، في قارات مختلفة.
إن عالم اليوم يُطلق على هذا التعاطي الحضاريِ مصطلح التعددية القطبية، حيث أن كل حضارةٍ متميزةٌ بذاتها، تمتلك قيمها الخاصة وأحلامها بل وكذلك مثلها، والآن، إن أسس الحكم الليبرالي العولمي، الذي كان مفروضًا على العالم عبر التسيد الأمريكي، تنحل لكي تفسح الطريق لورود ذات جمال، ورود مستقبل القرن الواحد والعشرين، الذي سيعطي الأوليةَ لكل الحضاراتِ بالتساوي.
كل واحدة من هذه الحضارات ستمتلك مصيرها، وكل قطب سيمتلك مستقبله، ولكن يجب أن يُقام على أساس احترامٍ متبادلٍ بينهم، وهذا هو جوهر عالم متعدد الأقطاب، الذي تقاتل روسيا الآن لأجله في ميادين أوكرانيا، ليس ضد الشعب الأوكراني، وليس ضد أوكرانيا حتى، بل ضد الاقلية الغربية كلها، ضد تكتل الناتو كله، كي يتسنى لكم جميعًا يا شعوب القارات المختلفة استعادة حريتكم، وأن تنسوا هذه الاستعمارية الغربية، عبر طي الصفحةِ عليها.
ترجمة: خالد بن وليد