حول مواقف موسكو وواشنطن وأنقرة في الأزمة السورية

17.04.2016

الأستاذ المشارك في قسم التحليل التطبيقي للدراسات الدولية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أندرية سوشتاسوف، يتحدث عن الوضع في سوريا، والعلاقة الأميركية-الروسية، الهدنة والموقف التركي من القضية السورية.
لقد عدتم مؤخرا من الولايات المتحدة، حيث تحدثتم أمام زملائكم الأميركيين. كيف هم ينظرون إلى الوضع في سوريا؟ وكيف يرون هناك أزمة العلاقات الروسية-التركية؟ هل هناك أي اختلافات جوهرية للنهج حول هذه القضية بين الولايات المتحدة وروسيا؟
تعتقد الولايات المتحدة أن جذور كل المشاكل السورية، هو نظام بشار الأسد غير الفعال، والذي دفع الوضع ليصبح انتفاضة شعبية جماعية تحولت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية. وحتى وقت قريب، كان الأميركيون يعتقدون أن حل المشكلة السورية هو رحيل الأسد. المشكلة هي أن رحيله -والأمريكان يؤكدون هذا- ستؤدي إلى مجموعة من المشاكل الأخرى، التي يمكن أن تكون أسوأ من وجود الأسد: انتصار الإسلاميين، وصول قوات غير منضبطة للسلطة، وفقدان دمشق للسيطرة على كامل أراضي سوريا، والفراغ السياسي، وانتقال عدم الاستقرار إلى الدول المجاورة. والأهم من ذلك - تصدير الإرهاب إلى أوروبا والولايات المتحدة.
هم أدركوا أنه حتى في حالة غزو سوريا والاطاحة بالأسد، لن يكونوا قادرين على إخضاع البلاد و"إصلاحها". هذه هي الشوكة في حلق استراتيجيتهم: هم فهموا أن الغزو لا يخدم مصالحهم: من الصعب تحقيق هذه الأهداف بالموارد التي هم على استعداد لتخصيصها. من ناحية أخرى، حتى في حالة الفوز، هناك نقاط عدة غير واضحة، والأميركيون ليسوا على استعداد لتحمل المسؤولية. هذا يجعلهم في حالة متناقضة من "لا حرب ولا سلم": من جهة - دعم المعارضة، وشحنات الأسلحة، ومن ناحية أخرى - هذه الإمدادات محدودة للغاية، ولا يمكنها أن تغير بشكل ملحوظ الصورة على أرض الواقع.
أكثر من الأميركيين بكثير، قدمت تركيا والمملكة العربية السعودية دعما للمعارضة. ولكن سلوك الأتراك والسعوديين في نظر الولايات المتحدة، أيضا جزء من المشكلة: فمسألة الحرب حتى آخر السوري (التي سعى إليها الأتراك والسعوديون) –بالنسبة للأمريكيين مشكلة. لأن الأمريكيين ينظرون إلى الأتراك على أنهم مشكلة كبيرة، أكبر حتى من "داعش". كما أن الإسلاميين لا يشكلون تهديدا للسعودية.
المسافة بين التقديرات الروسية والأمريكية كانت شاسعة منذ البداية. وآخر ما كان يتوقعه الأميركيون، هو رؤية روسيا في سوريا. روسيا بشكل حاسم، أخذت على عاتقها زمام المبادرة، وبخطوات محدودة جدا، عكست موازين القوى في سوريا. الأميركيون لا يرحبوا بمشاركة روسيا، لأنهم يعتقدون أن هذا يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلا من حلها. الولايات المتحدة غير مستعدة للاقتناع بالنسخة الروسية من التفسير - ضرورة دعم أي نظام مستقر في سوريا، وهذا يعني الحكومة الحالية. ولكن في الواقع، اتضح أن النسخة الروسية الأكثر فعالية، والأهم من ذلك، هو أنه على الرغم من أن التحرك الروسي يخدم بشكل غير مباشر، المصالح الأميركية أيضا، لأن واشنطن تحتاج إلى الاستقرار، والفوز على "داعش"، والوقف الضروري لتدفقات الهجرة وتصدير الإرهاب. وهذا هو بالضبط ما سيحدث عندما يستقر الوضع بمشاركة حاسمة من القوات الحكومية.
لكن الأميركيين، في البداية، نظروا إلى بداية العمليات الروسية بتشكك كبير، واعتقدوا أنها كانت خطأ، وأن روسيا يتعلق هناك، ولن تتمكن من تحقيق الأهداف المحددة. هم كانوا يعتقدون في البداية أن روسيا تعتمد بشكل كامل على حكومة الأسد، ما يفتح أمامها طريقا إلى أفغانستان ثانية. في الواقع، العملية الروسية محدودة جدا - مع وحدة صغيرة من القوات، وبضع عشرات من الطائرات فقط، دون تنفيذ عملية برية. وهذا لا مجال لمقارنتها بالحملة الأفغانية.
ومع ذلك، كانت الحملة الروسية ناجحة - قوات الأسد تتقدم وتتولى زمام المبادرة. هناك فرصة للتوصل إلى حل دبلوماسي. وتطمح روسيا أيضا إلى ذلك، وتخفض بشكل رمزي تورطها في الصراع، وتسحب بعض القوات. وهذه إشارة سياسية أكثر من كونها عسكرية، لأن القدرات العسكرية لروسيا في سوريا لا تزال كبيرة جدا. وإذا لزم الأمر، يمكن لروسيا أن تزيد حجم مشاركتها.
يوم 22 فبراير/شباط، توصل رئيسا روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاق بشأن وقف القتال في سوريا. ما هو تعليقكم؟
هذا الاتفاق الروسي الأمريكي أصبحا محوريا في الأزمة، ذلك أن جميع المشاركين الآخرين لاحظوا تأثيره كنتيجة لاتفاق روسيا والولايات المتحدة. ونحن نرى أن الهدنة تنفذ، ومستوى العنف قد انخفض، والتحركات تم تركيزها لمكافحة "داعش"، كما نجحت معركة تحرير تدمر. وهذا بالتأكيد علامة مشجعة. نحن والأميركيون سعداء بما يحدث. للأسف، في السياسة الداخلية الأمريكية، واشنطن لا تزال غير قادرة على تحديد الربح، لأن الرأي العام والكونغرس الأميركي يعتقدون أن روسيا أجبرت الولايات المتحدة على العمل، على الرغم من أن الحل كان مستقلا ومتوازنا وفعالا لكلا الجانبين. ويمكن مقارنة ذلك بالاتفاق النووي الإيراني.
تقريبا، فور عقد الهدنة، ظهرت أحاديث عن ما يسمى بـ "الخطة ب" الأمريكية والروسية، ما الذي قد يعنيه هذا؟
الحديث عن خطط "ب"، والذي بدأ على الفور -هو ممارسة دبلوماسية معتادة، عندما يتم عمدا تسريب معلومات حول عواقب فشل الصفقة: وطبيعة تصرفات الولايات المتحدة في حال عدم تنفيذ روسيا أو الأسد لجانب الصفقة الخاص بهم. وقد تم ذلك عن عمد، وبهذا الأمر، تبادل الجانبان إشارات: قال الجانب الروسي أنه لا يرى أي خطة "ب". الأمريكيون أيضا، لم يدخلوا في لعبة مزدوجة بأيدي الأتراك، أو بيد قطر أو بالأسلحة من المملكة العربية السعودية، على العكس من ذلك: هم أرسلوا إشارة بأنهم سيسعون جاهدين لإنجاح هذا الاتفاق بكل فعالية.
دعونا نتحدث عن العلاقات الروسية التركية في هذه المرحلة، وعن موقف تركيا من الأزمة السورية.
تركيا بلد ينتمي لمنظمة حلف شمال الأطلسي. ومن الجانب الروسي كان من الخطأ الاعتقاد بأنها تخضع لقواعد الناتو العامة، وتعمل عبر الوسائل التي تشكلت خلال سنوات الحرب الباردة، عبر ضبط النفس المتبادل: تجنب الحوادث، وعلى وجه الخصوص تجنب استخدام القوة. على ما يبدو هناك مسار عسكري روسي تركي مستقل، يخشاه الجميع، بما في ذلك الأمريكيون. هم لا يعرفون بالضبط كيف ستتطور هذه الأحداث، وأنا أعترف أننا بحاجة إلى عدة أزمات لتصبح روسيا وتركيا قادرتين على تطوير ثقافة ضبط النفس المتبادل.
وهل هذا ممكن فعلا؟
ثبت عمليا أنه طالما كان الجانبان لا يقيمان بجدية تأثير التدهور الحاد وصولا للصراع العسكري، فإن هذه الترتيبات لا تعمل. بيننا كانت اتفاقات عدة بشأن تبادل المعلومات والتحذيرات، ولكن تركيا لم تستخدمها. وهذا يعني أنهم لا يدركون العواقب حتى النهاية. وفقا لذلك، يتعين عليهم فهم هذا وإدراكه. وهذا غالبا ما يحدث نتيجة لجولة جديدة من الأزمة. بتدمير الطائرة الروسية، أنقرة سعت لإرسال إشارة سياسية قوية لروسيا، حول الحاجة إلى أخذ مصالح تركيا في الاعتبار، ولكن بطرق عقيمة. برأيي، الأتراك بعملهم حققوا العكس: الوضع الاستراتيجي لتركيا في المنطقة - وخاصة في سوريا - تدهور بشكل كبير. واضطرت تركيا إلى وقف جميع الضربات الجوية ضد المواقع الكردية، كما أنه تم تقليص الإجراءات على أراضيها. وبالتأكيد المصالح التركية ستكون محدودة جدا في نهاية هذه الأزمة.
كيف يتم النظر إلى تصرفات تركيا داخل الحلف؟
الآن، ينظر اليها على أنها بلد يتميز بإنعدام التوجه. وهذا الأمر يثير أسئلة مثل تلك التي ترتبط بالمادة 5 من النظام الأساسي لمنظمة حلف شمال الأطلسي: هل سيتم تنفيذ بند الدفاع الجماعي في حال تنفيذ تركيا لعمل عسكري غير مبرر؟ الأعمال التي يقوم بها الجانب التركي لها عواقب كبيرة، الأتراك سيضطرون لعمل كل الحسابات، حتى سيناريو العمل لوحدهم. نية القتال من أجل تركيا، ومصالحها الإقليمية، ليست موجودة لا لدى الأمريكان ولا الناتو ككل. في الأزمة الأخيرة مع روسيا، تصرفت تركيا على مسؤوليتها الخاصة، وهي لم تدرك تماما مدى تضامن الغرب معها.
هل هذا يعني أن أنقرة اعتقدت أن الناتو سيدعم أي إجراء تركي ضد روسيا؟
أعتقد ذلك، أنقرة كانت تتوقع ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، تركيا تتواجد الآن في موجة تاريخية إيجابية: النمو الاقتصادي الجيد، والنمو السكاني المطرد، بالمعنى العسكري، وهي تشعر بالثقة، فوز حزب الرئيس بهامش واسع في العديد من الانتخابات، هم يشعرون بأن الوقت الآن مناسب لدخول تركيا التاريخ، وينبغي الاستفادة منه. على صعيد آخر، أعمالهم تزيد من سوء الوضع بشكل كبير فيما يتعلق بالصدع التركي الكردي داخل البلاد، والشراكة الاستراتيجية مع روسيا، والتي تم تطويرها خلال 15 عاما... الآن توقفت تماما، وأعتقد أنه لا يمكن استئنافها في المستقبل القريب.
بالنسبة لروسيا، وهذا بالطبع، أيضا ليس أفضل مسار للأحداث: نحن لسنا بحاجة للحرب مع تركيا. وحتى لو فزنا، ستبقى تركيا مركزا رئيسيا في المنطقة، لا بد من أخذه بعين الاعتبار.
نعود إلى الهدنة: ما هي توقعات تطور الأحداث في سوريا؟
ستواصل الأطراف تطوير المسار السياسي، بمشاركة دبلوماسيتنا في جنيف. وتجسيدا لذلك، على الأقل، سيتم تشكيل هيكل لا مركزي كما هو الحال في لبنان: وستتوقف الأعمال العدائية، ولكن سيبقى عدد من المناطق غير الخاضعة للرقابة. وفي التجسيد الأكثر تفاؤلا، سيتم أيضا تشكيل الحكومة السورية الجديدة اللامركزية، مع تمثيل الأكراد وأكبر المجتمعات السنية. ومن شأن ذلك أن يكون أفضل سيناريو. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري الحديث عن اعادة إعمار سوريا. الذي يتطلب بتقديرات الأمم المتحدة 180 مليار دولار وأكثر من 20 عاما. ولكن في حال وقف الأعمال العدائية، سيكون الأمر خطوة هامة إلى الأمام.
مؤخرا التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره الامريكي جون كيري، ما الذي ناقشاه حول القضية السورية؟
هذا الموضوع من محور اهتمامها. من غير المرجح أن يكونا اتخذا قرارات مصيرية. ولكن بشكل عام، الطرفان متفائلان إلى حد بنتائج الهدنة، وحقيقة نجاح الإتفاق. الحديث إلى حد كبير، دار حول الخطوات المقبلة في التسوية السورية، وكيف سيبدو موقف كل من الأطراف المعنية.
كيف بمكننا فهم عمل الهدنة، في حين أن الهجمات الإرهابية تستمر؟
أخشى أن هذه العمليات ترتبط بشكل غير مباشر، حيث أن التهديدات الإرهابية المحتملة في أوروبا والولايات المتحدة تراكمت بالفعل، ويمكن أن تتحقق في أي لحظة. حتى لو كان هناك بضع مئات من الإسلاميين فقط، فهم يمكن أن يتسببوا بالكثير من الضرر. والمشكلة هنا ليست في سوريا نفسها، بل بالحاجة إلى عمل أكثر موثوقية من قبل أجهزة مكافحة الإرهاب، وكذلك في التقييم الفعلي للتهديد: فمن المستحيل التعامل مع الإرهاب في شكل منفرد: روسيا تحارب نوعا من الإرهاب، والولايات المتحدة تحارب نوعا آخرا، وأوروبا نوعا ثالثا، وتركيا رابعا ... لا بد من التنسيق والمكافحة الفعالة. هذا ما يجب القيام به.