حصر مسلحي حلب في ستة أحياء أخيرة.. والحسم قريب
تمت استعادة 12 حياً دفعة واحدة إلى قبضة الجيش السوري خلال بضع ساعات، وتمثل هذه الأحياء قلب مدينة حلب والعقدة الأصعب في عملية تحرير المدينة. ويمكن تصوير السقوط المتواصل للأحياء التي كان يسيطر عليها المسلحون كحالة الانهيار الكبير التي باتت تعيشها تلك الفصائل، التي حُشرت في زاوية صغيرة جنوب غرب الأحياء الشرقية لحلب، ضمن مساحة صغيرة لا تتعدى ستة أحياء فقط، بعدما كانت تسرح وتمرح في تلك الاحياء قبل نحو أسبوعين.
وأوضح مصدر ميداني أن الاستعادة السريعة لاحياء المدينة القديمة في حلب جاءت بسبب عدة عوامل، أبرزها يتعلق بالخلافات الداخلية في صفوف المسلحين، حيث سلّم عدد منهم نفسه فيما انسحبت مجموعات كاملة من دون قتال ضمن ما يشبه عملية فرار جماعية، إثر هروب قادة تلك الفصائل نحو أحياء بعيدة من خطوط التماسّ.
وبعدما سيطرت قوات الجيش السوري على حي الشعار وانطلقت منه نحو قلب مدينة حلب (الأحياء القديمة) وصولاً إلى القلعة، تهاوت الأحياء تباعاً، لتستعيد مع القوات الحليفة أحياء: باب الحديد، باب النصر، الجديدة، جادة الخنادق، اغيور، كرم الجبل، المشاطية، الفرافرة، الصفصافة، وقد التقت القوات الخارجة من قلعة حلب بتلك الوافدة إليها من الشمال، لتبلغ المساحة التي يسيطر عليها الجيش السوري نحو 85 في المئة من المساحة التي كانت تسيطر عليها الفصائل المسلحة قبل بدء العملية.
وتحدث مصدر عسكري شارك في العمليات عن تفاصيل لحظات وصول القوات الخارجة من قلعة حلب بالقوات الوافدة إليها، قائلاً: "كان المشهد وكأنه فتح عظيم"، تم رفع العلم السوري على القصر العدلي المهدم، وعلى أعلى النقاط في قلعة حلب.
وتابع المصدر "لم نكن نتوقع أن نسيطر على كامل هذه المناطق بهذه البساطة، كانت تمثل هذه الأحياء عقدة خلال العمليات العسكرية لكونها تضم مناطق أثرية بالإضافة إلى طبيعة البناء فيها المتصلة، التي تشكل مواقع دفاعية صعبة الاختراق، ولكن كل ذلك تغير ليلاً، هرب المسلحون من دون أي قتال تاركين وراءهم أسلحتهم ومدافعهم والقذائف التي كانوا يعدّونها للإطلاق على أحياء المدينة السكنية".
وانحصر وجود المسلحين ضمن ستة أحياء رئيسة تقريباً هي: الصالحين، الكلاسة، بستان القصر، الفردوس، المعادي، والمشهد، بالإضافة إلى أجزاء بسيطة من أحياء: سيف الدولة وصلاح الدين ومن الشيخ سعيد. وعلى الرغم من تحقيق تقدم سريع وكبير في عمليات تحرير ما تبقى من أحياء حلب، تابعت قوات الجيش السوري عملها على ذات الوتيرة من دون أي توقف، حيث بدأت القوات الراجلة عمليات اقتحام الجزء الذي يسيطر عليه المسلحون في حي سيف الدولة بالتوازي مع عملية عسكرية تهدف إلى السيطرة على حيَي بستان القصر والكلاسة.
وترافق انسحاب المسلحين من أحياء حلب القديمة بإطلاق نار كثيف من قبل المسلحين الفارين، تخلله إطلاق قذائف طالت مناطق سكنية، وفق مصدر ميداني، ما سبب مقتل 24 مدنياً، بينهم خمسة مسنين قضوا جراء سقوط قذائف على دار للمسنين، فيما قامت قوات الجيش السوري بإجلاء مئات العائلات تم نقلهم إلى مراكز إيواء مجهزة بعيداً من محاور المعارك.
من جهتها، أصدرت الفصائل المسلحة المحاصرة في ما تبقى من أحياء حلب ما أطلقت عليها "مبادرة إنسانية" تهدف إلى فتح طرق آمنة لإخراج 500 شخص قالت إنهم بحاجة إلى العلاج، مقابل وقف لإطلاق النار لمدة خمسة أيام يجري بعدها التفاوض على مستقبل هذه الأحياء، إلا أن هذه المبادرة لم تتجاوز كونها حبراً على ورق للاستهلاك الإعلامي، حيث تابعت قوات الجيش السوري عملياتها لاسترجاع كامل الأحياء، في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية تلزم "جبهة النصرة" بالاتفاق.
وعلى الرغم من عدم أخذ هذه المبادرة على محمل الجد حتى الآن، يبدو لافتاً فيها طلب المسلحين نقل الجرحى وبعض العائلات إلى ريف حلب الشمالي بدلاً من إدلب. وفيما بررت الفصائل طلبها هذا بأن "إدلب مكتظة وغير آمنة بسبب القصف الروسي والسوري"، أشار مصدر معارض إلى أن هذا الطلب جاء بسبب تعمق الخلاف بين الفصائل المسلحة و"جبهة النصرة" التي تسيطر على إدلب، خصوصا مع ورود أنباء عن صدور فتاوى بقتل المقاتلين الذين يخرجون من مدينة حلب بحجة "الهرب من المعارك".
وأمام التطورات الميدانية وتمكن قوات الجيش السوري من السيطرة على الأحياء الواقعة على امتداد ساحة سعد الله الجابري وصولاً إلى مطار حلب الدولي، وبعد تأمين طريق المطار، ذكر مصدر حكومي أن المطار المُعطَّل منذ أربعة أعوام سيعود إلى العمل في غضون شهر تقريباً بعد إجراء عمليات صيانة وتأهيل سريعة. كما جرت دراسة خطة لتسيير وسائل للنقل الداخلي بين هذه الأحياء كافة لإعادة الحياة إليها.
ومن جانبه، أوضح المركز الروسي للمصالحة في قاعدة حميميم أن السلطات السورية عفت، امس، عن 66 مسلحاً ممن ألقوا السلاح ودخلوا مناطق غرب حلب، موضحاً أن 1224 مدنياً خرجوا من الأحياء الشرقية إلى مناطق آمنة في المدينة.
وعلى الصعيد السياسي، أكد الرئيس السوري بشار الاسد، في مقابلة مع صحيفة "الوطن" السورية أن من شأن الانتصار في حلب "تغيير مجرى الحرب" وتشكيل "محطة كبيرة" على طريق إنهائها، معتبراً ان الحرب لا تنتهي "إلا بعد القضاء على الإرهاب تماماً".
ومن جانبه، أكد وزير المصالحة السوري علي حيدر للصحافيين في دمشق، أن التقدم في حلب هو نصر استراتيجي سيمنع التدخل الأجنبي ويغير العملية السياسية، موضحاً أن من يؤمنون بالنصر السوري يعلمون أن الروح المعنوية لـ"المعارضة أصبحت في الحضيض وأن هذه الانهيارات التي بدأت هي كأحجار الدومينو".
من جهة أخرى أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مستهلّ لقائه مع نظيره الأميركي جون كيري في هامبورغ الألمانية، أنه يدعم مبادرة واشنطن بشأن حلب التي تقدمت بها في الثاني من الشهر الحالي.
وأعلنت الخارجية الأميركية في وقت سابق، أمس، أن لافروف وكيري سيركزان خلال محادثاتهما على الوضع في حلب، "بما في ذلك الدعم الروسي لهجوم السلطات السورية في المدينة"، فيما كشف مسؤول في واشنطن، أنه من المقرر أن يبحث لافروف وكيري خلال لقائهما مسألة توفير ممر آمن لخروج المسلحين من حلب.
إلى ذلك، دعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا وبريطانيا، في بيان مشترك، إلى وقف فوري لإطلاق النار في حلب، مطالبين روسيا وإيران بالضغط على الرئيس الأسد لوقف القتال في المدينة.
وجاء في البيان أن "رفض النظام السوري المشاركة في عملية سياسية جدية يؤكد عدم استعداد روسيا وإيران، رغم تأكيداتهما، للعمل على حل سياسي"، وأعربت الدول الست عن استعدادها "للنظر في فرض قيود جديدة على الأفراد والكيانات التي تعمل لمصلحة النظام السوري أو نيابة عنه".