حرب أميركا ضدّ... أميركا
ما هي الاوصاف التي جالت في رأس باراك اوباما وهو يصغي باهتمام، وبتهذيب، وبذهول، وبمرارة، الى دونالد ترامب لدى القائه خطبة التنصيب: المهرج ام البهلوان ام المشعوذ ام... الانتحاري؟
الثري الثائر بدا وكأنه آت من ارصفة الموانئ، ومن مناجم الفحم، ومن ضواحي الصفيح، لا من و هج الثريات في لاس فيغاس، ومن بذخ الابراج في نيويورك، ومن ليالي الغانيات في اصقاع الدنيا.
تساءلنا ما اذا كان دونكيشوت ام دراكولا. هنا الحرب ضد «الاستبلشمانت» ليست حرباً ضد طواحين الهواء بل هي حرب ضد مصاصي الدماء. هو منهم. اليست السوق جزءا عضوياً من المؤسسة التي تضع يدها على كل كل المفاصل المحورية في الكرة الارضية.
ثورة اميركا ضد اميركا، بل حرب اميركا ضد اميركا.
صحيح ان اميركا منهكة، وتكاد تعاني من بعض امراض الشيخوخة، وفي عام 2008 بدا كما لو ان الامبراطورية على وشك الانهيار بعدما مضى بها جورج دبليو بوش الى كل المتاهات الدموية والاستراتيجية على السواء. لكن اميركا هي التكنولوجيا الهائلة، والصناعات المستقبلية الهائلة.
لم يقل ما هي فلسفته، وما هي ادواته للتغيير. من يتصور ان اولئك الجنرالات الآتين من ادغال البنتاغون او اولئك الاثرياء الهابطين من ناطحات السحاب (ام من ناطحات السماء؟) يمكن ان يتفقوا على رؤية واحدة لاميركا وللعالم. ادارة ترامب صورة عن برج ترامب وعن برج بابل...
لغات، ووجوه، وايديولوجيات متناقضة، ولا ترى في الرئيس سوى ذلك الثور الذي يمكن بسهولة تسلق ظهره، ولكن الى اين؟
ليس هناك من رئيس اميركي احاطت به كل تلك التحليلات، والتكهنات. قيل ان ايفانكا ابنته ستحكم الولايات المتحدة مثلما حكمت تتيانا ابنة بوريس يلتسين الاتحاد الروسي. ماذا كانت النتيجة؟ كاد السماسرة اليهود (وأحد عشاق تتيانا كان يهودياً) ان يبيعوا الملابس الداخلية للملكة كاترين.
لا بأس، ترامب اختار لنا صهره اليهودي جاريد كوشنر ليكون مبعوثه الى ازمة الشرق الاوسط. حين عين باراك اوباما دنيس روس مبعوثاً شخصياً له الى الازمة، قال محمود درويش، «تصوروا ان يبعث الله بالشيطان لحل ازمة الشرق الاوسط».
ماذا يعرف الصهر العزيز (وما اكثر الاصهرة الاعزاء في هذا العالم!) عن المنطقة، سوى ان عائلته مولت المستوطنات الاكثر همجية، على المستوى التوراتي، في الضفة الغربية؟
هنري كيسنجر قال لمحمد حسنين هيكل في جنيف ان ازمة الشرق الاوسط تحتاج الى وسيط يهودي لأن نصفها في عالمنا ونصفها الآخر في العالم الآخر، ماذا فعل كينسجر؟ وماذا فعل روس، وماذا يمكن ان يفعل كوشنر سوى اعطاء البقية الباقية من فلسطين للذئاب؟
ترامب حدد عدوه الأكبر الذي سيزيله عن وجه الارض. من قال للرئيس الاميركي ان «الاسلام التكفيري الارهابي» يوجد تحت الارض؟ ما يظهر منه على وجه الارض لا يختلف عما يظهر من جبل الجليد على وجه الماء.
ماذا لو قيل للرئيس الخامس والأربعين، والذي لا يشبه أياً من الرؤساء الاربعة والأربعين، ان ذلك الاسلام ناتج من البنية الايديولوجية لبعض الانظمة، وأن وكالات الاستخبارات الاميركية، مع وكالات صديقة شتى، هي التي اخرجته من باطن الارض لتوظيفه تكتيكيا فاذا به، وقد تحول الى وحش رهيب، ينقض على الجميع.
الشرق الاوسط هو المسرح، المسرح الوحيد، ودون ان ندري ما هي خطط ترامب؟ ومع من سيعمل على الارض؟ وهل يقبل الجنرالات التعاون مع القيصر؟ أخيراً، خشيتنا ان تكون نيران كثيرة بانتظارنا.
المثير، واثر خطبة التنصيب، ان يتهم قريب من ترامب وهو عربي، «الاخوان المسلمين» وحركة «حماس» بالوقوف وراء اعمال الشغب في واشنطن. في هذه الحال كيف يمكن لأجهزة الاستخبارات الاميركية ان تتخلى عن «جماعة الاخوان» التي عملت لمصلحتها منذ عهد ألان دالاس (أيام دوايت ايزنهاور) وحتى الآن؟
نحار، أنكتب بالريشة ام بالسكين عن دونالد ترامب ام ننتظر تلك الموجة الجديدة (الموضة الجديدة) من القضاء والقدر؟