حرب الناتو المستقبلية الخاطفة ضد روسيا: حرب يحسمها التفوق الجوي

12.05.2016

تقتصر كافة استثمارات البنتاغون على الأسلحة الهجومية بهدف غزو البلدان أخرى. على سبيل المثال، من يحتاج طائرات الشبح للدفاع عن أراضيه؟ واشنطن هي المالك الوحيد لحاملات الطائرات النووية، التي ترافقها عشرات الطرادات والمدمرات والسفن الهجومية البرمائية، وكذلك الغواصات الهجومية النووية القادرة على مهاجمة أي نقطة على الكرة الأرضية. كما تملك الولايات المتحدة أسطولا ضخما يتألف من أكثر من 500 طائرة من طائرات الشحن الثقيلة التي صممت خصيصا لنقل الكتائب المدرعة حتى عشرات الآلاف من الكيلومترات من القارة الأمريكية. وينظر إلى روسيا، التي تحيط بها القواعد العسكرية لحلف الناتو، بأنها غنيمة ضخمة نظرا لأن أراضيها تحتوي على 60٪ من الموارد المعدنية للأرض ومياه الشرب والأراضي الصالحة للزراعة، ويوجد فيها الكثير من الغابات.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما غدت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، تم تأسيس فكرة جديدة يتم العمل عليها عندما تريد  واشنطن غزو بلد آخر. وذلك  بخلق  رأي عام أن بلدا ما على وشك مهاجمة واحتلال جيرانه. والمفارقة أن الجيش الأمريكي هو الذي يريد غزو البلد المستهدف، وهذه العملية من الحرب النفسية التي أجريت بشكل مكثف من قبل وسائل الإعلام الخاضعة للولايات المتحدة تقدم العدوان العسكري بأنه إنهاء تهديد تلك الدولة المستهدفة لجيرانها. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن "الحرب الباردة" لم تنته أبدا، وعلى مدى العامين الماضيين أثيرت حرب نفسية ضد روسيا ونجحت الولايات المتحدة في إلزام الاتحاد الأوروبي ودول تابعة أخرى بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا.
من أجل منع النفوذ الروسي من التوسع بعد النجاح في سوريا، سيتعين على الولايات المتحدة تسريع استعداداتها لمهاجمة روسيا. ولكن باراك أوباما، البطة العرجاء، لا يمكنه أن يقرر أي شيء، والمفروض أن الرئيس المقبل للولايات المتحدة هو الذي سيتخذ القرار.
أين ستهاجم الولايات المتحدة الأمريكية؟
إن الولايات المتحدة لا تستهدف الذهاب إلى الشرق الأقصى الروسي. بدلا من ذلك، تماما مثل نابليون أو هتلر، تعتزم الولايات المتحدة احتلال العاصمة الروسية موسكو كهدف موضوعي واستراتيجي. وكانت الخطة الأولية أن تدعم الولايات المتحدة ثورة "الميدان الأوروبي" لتضم أوكرانيا إلى منطقة نفوذها، ولكي تصبح القواعد البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم تابعة للبحرية الأمريكية، وتصبح أوكرانيا عضوا في الناتو. وكان من المقرر أن يبدأ الغزو من أراضي أوكرانيا. وينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن لوغانسك، على سبيل المثال، لا تبعد سوى 600 كم عن موسكو. وقد قلبت الخطة الأمريكية رأسا على عقب  بعد نجاح الاستفتاء الذي قرر إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا، وبعد ذلك بسبب الحرب الأهلية في دونباس، فإن الأميركيين لن يستطيعوا  شن أي عدوان عسكري ضد روسيا من أوكرانيا.
لذلك، تم تنقيح خطة للولايات المتحدة، وأصبحت دول البلطيق منطقة الانطلاق المحتملة للهجوم الجديد. ولهذا السبب كثفت الولايات المتحدة مؤخرا الضغط على السويد وفنلندا للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، التي يمكن استخدام أراضيها لإجراء مناورات عسكرية والقيام بإجراءات تتحدى روسيا. موسكو تبعد فقط 600 كم عن الحدود مع لاتفيا وهي غير محمية بأية حواجز طبيعية يمكن أن تضع العقبات في طريق أي غزو من وجهة النظر العسكرية.
من أجل "ردع" روسيا، قام البنتاغون بتوسيع الإنفاق العسكري فيما يخص الحملة المناهضة ضد روسيا في البلدان الأوروبية المجاورة لروسيا. حتى أن الولايات المتحدة نشرت لواء مدرعا آخر في دول البلطيق وبولندا، وبالتالي انتهكت المعاهدة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي لعام 1997، كما انتهكت القرارات بخصوص تعزيز أسطولها العسكري بزيادة البوارج من 272 إلى 350. لذلك يمكن أن تشمل الخطة الإستراتيجية للبنتاغون حربا عسكرية خاطفة بأسلحة تقليدية تتخذ تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، بدءا من دول البلطيق وبولندا تستهدف موسكو مباشرة.
وستؤدي هزيمة روسيا إلى تغيير القيادة السياسية ممثلة بفلاديمير بوتين وإلى انسحاب تدريجي للقوات الروسية وترك أجزاء من الأراضي الروسية لكل من لاتفيا واستونيا وأوكرانيا. ستحدد الحدود الغربية لروسيا على طول خط يمتد من سان بطرسبورج إلى فيليكي نوفغورود  وكالوغا  وتفير وفولغوغراد.
بسبب التحديث السريع للجيش الصيني، والذي يفرض الآن مشاكل خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة غرب المحيط الهادي، فإن البنتاغون لن ينشر جميع المعدات القتالية المتاحة في أوروبا. ثلث القوات العسكرية الأمريكية سوف يوضع في الاحتياطي تحسبا لهجوم مباغت من قبل الصين.
ما هو الوقت المتوقع؟
أي غزو عسكري لروسيا يمكن تنفيذه بنجاح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية قبل العام 2018، وبعد ذلك تنخفض فرص النجاح بشكل كبير نظرا لفقدان البنتاغون التفوق التكنولوجي في العديد من المجالات بالمقارنة مع الجيش الروسي وإمكانية تحول الصراع إلى صراع عالمي حيث يمكن استخدام الأسلحة النووية فيه.
الفوز من خلال التفوق الجوي
ويركز الجيش الروسي على مجال الدفاع. لدى روسيا طائرات اعتراضية عالية الأداء وأنظمة الصواريخ AA المحمولة عالية القدرة على اكتشاف وتدمير حتى الجيل الخامس من الطائرات الأمريكية. ولذلك، فإن الجيش الأمريكي  مع الدعم من حلفائه في حلف شمال الأطلسي لن يكون قادرا على كسب التفوق الجوي. إذا بذل جهد كبير يمكن تحقيق التفوق الجوي الجزئي لفترات قصيرة من الزمن وعلى بعض المناطق قرب الحدود الروسية بشريط لا يزيد عن 300 كم. لإنشاء مناطق طيران آمنة من الأنظمة الروسية المضادة للطائرات، فإن الأميركيين سوف يضطرون إلى إرسال موجة الهجوم الأولى من 220 طائرة (بما في ذلك 15 من قاذفات القنابل B-2 ، و F-160،و F-22A  وكذلك 45 طائرة F-35 ). والتي يمكنها أن تحمل إما 16 قنبلة موجهة بالليزر GBU-31 (900 كلغ)، أو 36 قنابل كاسيت CBU-87  (430 كلغ) أو 80 قنبلة GBU-38 (200 كلغ).  أما طائرات F-22A فيمكن أن تكون مسلحة باثنتين من القنابل JDAM  (450 كلغ) أو ثمانية القنابل 110 كيلوغرام.
والعقبة الرئيسية هي أن الصواريخ الأميركية المضادة للرادار AGM-88E ، والتي تصل دائرة عملها إلى نصف قطر 140 كم، كبيرة جدا لتناسب طائرات  F-22A أو طراز F-35 (طولها 4.1 م، وطول الذيل 1 م) وإذا علقت على أعمدة الجناح، فإنها على الفور ستعرض هذه الطائرات للخطر. أما أهداف الموجة الأولى فستكون المطارات وأنظمة  الدفاع الروسية.
أما بالنسبة للF-22A،  فقد أظهرت تقارير وزارة الدفاع الأمريكية  أنهم كانوا راضين عن نتائج الطائرة F-117 (أول طائرة من الجيل الخامس) في الحملة الأولى لاستخدامها في الخليج ويوغوسلافيا. وبالتالي أمر البنتاغون بإنتاج 750 طائرة  F-22A لتحل محل طائرة F-16 في سلاح الجو الأمريكي، ولكن بمجرد اكتشاف الاستخبارات العسكرية الأمريكية أن روسيا اختبرت بنجاح الرادار  96L6E المضاد للشبح  خفضت وزارة الدفاع الأمريكية الطلب إلى 339 طائرة. عندما كان الأميركيون يطورون ويختبرون مشروع الطائرة F-22A ، كان الروس بالفعل قد صنعوا النظام المضاد لهذه الطائرة، أي نظام الصواريخ S-400 الذي يستخدم معدات كشف متعددة المكونات، بما فيها الرادار 96L6E. في النهاية، أنتج فقط  187 طائرة F-22A.
لتعقيد مهمة الدفاع الجوي الروسي سوف ينطلق إضافة إلى طائرات الجيل الخامس  500-800 صاريخ كروز من السفن والغواصات الأمريكية المنتشرة في بحر البلطيق. فرص صواريخ كروز هذه بالوصول إلى أهدافها صغير جدا لأن روسيا تملك حوالي 250 طائرة ميغ 31 وهي مقاتلة بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى سرعة  2.83 ماخ (3500 كم / ساعة) وهي متخصصة في اعتراض وترقب طائرات الأواكس  والصواريخ الطائرة. رادار الطائرة ميج 31S  يمكنه اكتشاف الصواريخ على بعد 320 كم وتتبع 24 هدفا في آن واحد، ثمانية منها يمكن أن تتعرض للهجوم في وقت واحد مع صواريخ R-33/37 التي يبلغ مداها 300 كلم وسرعتها 6 ماخ.
في الوقت نفسه، يمكن لطائرات الولايات المتحدة من نوع  F-18 و F-15E و B-52 و و B-1B أن تطلق النار دون الاقتراب من الحدود الروسية (وحتى قبل الدخول في نطاق عمل صواريخ S-400)، وتمتلك أيضا صواريخ كروز AGM-154 أو AGM-158 وهي صواريخ مصغرة يصل مداها بين 110 و 1000 كلم. ويمكنها أن تضرب السفن الحربية في أسطول بحر البلطيق وبطاريات الصواريخ الروسية اسكندر 9K720 (المسافة 500 كم) ووتر-21 TOCHKA (المسافة 180 كم) واسكندر أرض أرض-. في أفضل السيناريوهات، إن فعالية هذه الموجة الأولى قد تعني تحييد 30٪ من شبكة مراقبة نظام الرادار الجوي في روسيا، و 30٪ من S-300 و S-400 من الكتائب المنتشرة بين موسكو والحدود مع دول البلطيق، و 40٪ من مكونات أنظمة C4I الآلية (مكونات خاصة للتشويش الراداري)، فضلا عن عرقلة المطارات لتخفيض قدرتها حتى 200 طائرة ومروحية، وبالتالي إلحاق أضرار بإدارة الحرب الروسية.
ومع ذلك، فإن الخسارة المتوقعة للأمريكيين وحلفائهم يمكن أن تصل إلى 60-70٪ من الطائرات وصواريخ كروز التي تدخل المجال الجوي الروسي خلال الموجة الأولى وحدها.
ولكن ما هي العقبة الأكبر أمام إزالة التفوق الجوي؟
أنشأ الروس حول مدينتي سان بطرسبرغ وكالينينغراد  النظامين الآليين C4I (يضم القيادة الآلية والتحكم والاتصالات والحاسوب والاستخبارات والعمل المشترك) للحصول على التفوق في الحرب الالكترونية (الحرب الالكترونية -EW) التي تشنها أنظمة المراقبة الكونية القائمة على الأراضي الأمريكية. من بين أمور أخرى فإن معدات C4I تشمل أجهزة من نوع  Krasukha-4 SIGINT وCOMINT (والتي يمكنها اعتراض كل شبكات الاتصال). يمكن لنظام كراسيوخا-4 Krasukha-4 أيضا منع المراقبة الرادارية  من الأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية والمراقبة الرادارية للقوات العسكرية المرابطة في الدول المجاورة لروسيا من  الاواكس أو من نوع E-8C ، أو من قبل طائرات الاستطلاع الأمريكية RC-135 أو الطائرات من دون طيار نورثروب غرومان RQ-4 أو جلوبال هوك. وقد تم تجهيز الجيش الروسي بأجهزة الاستشعار البصرية الإلكترونية التي تعطل أجهزة العدو الموجهة بالليزر، والموجهة بأجهزة تحديد المواقع GPS ، وهي تعطل القنابل والصواريخ التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء. هذه النظم هي قليلة نسبيا في العدد ولكنها تعمل لضمان فشل أهداف العدو الهامة.
نشر أنظمة C4I الروسية يسمح بإنشاء منطقتين آمنتين تتمتعان بمناعة ضد قوات حلف شمال الأطلسي. وعلاوة على ذلك فإن دمج C4I مع كتيبتين من صواريخ S-400 المضادة للطائرات بعيدة المدى مع عدد من البطاريات المحمول لصواريخ قصيرة المدى مثل انظمة تور-M2 وبانتسير-2M.
من أجل ردع الغزو الغربي تماما، فإن على روسيا البدء بتطوير النظم الآلية C4I مع الأنظمة الأخرى القريبة من سان بطرسبرغ، وعلى طول الحدود مع دول البلطيق وفي كالينينغراد.
يمكن لنظام S-400 تعقب ومهاجمة أهداف تصل إلى 80 هدفا تسير بسرعة تصل إلى 17000كم/ساعة على مسافة 400 كم وذلك باستخدام معلومات الرادار متعددة الأطياف من الأقمار الصناعية. وفي روسيا الآن 20-25 كتيبة إطلاق لصواريخ  S-400 (حوالي 180 من منشآت الإطلاق لصواريخ S-400). تقع ثمانية كتائب منها في جميع أنحاء موسكو، وواحدة في سوريا. روسيا يمكن أن تجلب المزيد من كتائب S-400 إلى الحدود مع دول البلطيق أو إلى روسيا البيضاء. مع وجود 130 كتيبة أخرى من S-300 مجهزة بحوالي 1100 منشأة إطلاق لهذه الصواريخ  (مع نطاق التشغيل حتى 200 كم) وعلى الرغم من أنها أقدم من S-400، فهي مقاومة للتشويش كما يمكن أن تكون مجهزة بأنظمة الرادار 96L6E. أما نظام  S-500 فهو النموذج الأكثر تطورا من S-400، وهو الآن قيد الاختبار وسوف يبدأ تجهيز الجيش الروسي به في عام 2017.