إهمال الأزمات الإنسانية في فلسطين والسودان بينما لا تتوقف المساعدات لأوكرانيا و"إسرائيل"
إنّ إحدى المهمّات الرئيسة للأمم المتحدة والمنظمات المرتبطة بها هي حل النزاعات بين البلدان وتقديم المساعدة الإنسانية إلى اللاجئين والنازحين والمتضررين من الحروب والأزمات.
لكن، على ما يبدو، فإن ازدواجية المعايير الدولية والإنسانية باتت فاضحة لدى الغرب ومن لفّ لفيفهم، ففي الوقت الذي يمجّد الغرب مقاومة الأوكرانيين، على سبيل المثال، يسارع إلى لصق سمة "الإرهاب" بالمقاومة الفلسطينية، ويعدّ نفسه، وفق تصريحات وزير الخارجية الأميركي، شريكاً لـ"إسرائيل".
وبالتالي، فإنّ لـ"إسرائيل" حق الدفاع عن نفسها في حين أنّ الحقيقة وما تؤكده الأحداث الجارية، أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي المتحكم في مفاصل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها. وكان الفيتو الأميركي فاضحاً في مجلس الأمن ضدّ أي قرار لحل النزاعات إذا لم يكن مشروع القرار المراد التصويت عليه يرعى مصالحها، أو إذا كان فيه إدانة "إسرائيل" أو حتى أوكرانيا.
الجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي هي الممول الأكبر للمساعدات التي من المفترض أن تكون مساعدات إنسانية، وفقاً للإحصاءات الرسمية للأمم المتحدة، لكن هذا التمويل الضخم الذي يقدمه الغرب مجتمعاً جعل منتقديه يقولون إنه يجعل توزيع المساعدات متحيزاً وسياسياً بعض الشيء، ويتماشى مع أجندات الغرب المصلحية فـ"إسرائيل" على سبيل المثال هي من تنتهك القانون الدولي وهي من تحتل الأرض وتقوم بجرائم ضدّ الإنسانية وفق نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وتتوجب محاكمتها حتى إن لم تكن عضواً في المحكمة، وأنّ أفعال المقاومة الفلسطينية تتلاءم وفق القانون مع أفعال "دولة" الاحتلال التي لم تحترم التزاماتها الدولية ضدّ الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وعموم الأراضي المحتلة. والحال نفسها تنطبق على أوكرانيا التي انتهكت طوال أعوام القانون الدولي في إقليم دونباس، ومارست جرائم بحق سكانه ترقى إلى جرائم الإبادة الجماعية.
إذا أردنا إحصاء الدول والشعوب التي تعاني ازدواجية المعايير الغربية التي تتغنى بالديمقراطية ومبادئ الإنسانية من دون تطبيقها حتى على شعوبها فإنها لا تعد ولا تحصى، وخصوصاً في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. ففي الآونة الأخيرة، أعطت منظمة الصحة العالمية تنبيهاً بشأن أزمة المجاعة التي تلوح في الأفق في السودان. وذكر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيردروس أدهانوم غيبريسوس، أن الناس في السودان يموتون لأنهم لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
ولسخرية القدر، فإن المساعدات تقدَّم إلى الجاني لا إلى المَجنيّ عليه، وإلى القاتل وليس إلى الضحية. فعوضاً من تقديم المساعدات الإنسانية إلى الذين يعانون مجاعات فادحة في فلسطين مثلاً، تم إيقاف تمويل الأونيسكو حتى بات الفقر المدقع عنواناً للمنطقة برمتها، سواء في سوريا أو لبنان أو السودان وغيرها، نتيجة الحروب العسكرية والاقتصادية.
المساعدات الأوكرانية
وفي حين قدمت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار من المساعدات إلى أوكرانيا، كما قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 65 مليار يورو وفق "سكاي نيوز"، وتشمل حزم المساعدات الغربية هذه المعدات العسكرية والأسلحة والذخيرة، بالإضافة إلى المنح المالية والقروض وموارد الطاقة والمعدات الطبية والإمدادات الغذائية، لم تقدم تلك الأموال لحزم المساعدات الإنسانية إلى من يحتاج إليها فعلاً، وتقول "روسيا اليوم" إن واشنطن تخطط ضخ 6 مليارات دولار أخرى هذا العام، كما أعلنت فرنسا في شباط/فبراير الماضي أنها سترسل مساعدات عسكرية بقيمة 3 مليارات يورو إلى أوكرانيا كجزء من صفقة أمنية.
وتشارك ألمانيا أيضاً في هذا العمل، بحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 1.1 مليار يورو، ليصل إجمالي دعمها إلى أكثر من 7 مليارات يورو هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، خصصت ألمانيا أكثر من 102.2 مليار دولار للمساعدات الإنسانية لمساعدة أوكرانيا خلال الحرب، ناهيك بالدعم اللامحدود وغير المشروط من جانب تلك الدول لـ"إسرائيل"، والتي زادت كثافتها منذ بدء طوفان الأقصى.
المجاعة
في هذه الأثناء، في منتصف أيار/مايو، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن "النقص الكارثي" في الأموال المخصصة للسودان من خلال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ينس لايرك. وكشفت أن السودان لم يتلق سوى 12% من 2.7 مليار دولار، وهي الأموال اللازمة للمساعدات الضرورية. وأبدى فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قلقه من تزايد العنف في الفاشر في السودان، محذراً من كارثة إنسانية تلوح في الأفق.
وبحسب التقارير الرسمية للأمم المتحدة، فإن نحو 25 مليون شخص في السودان في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية بسبب الحرب المستمرة التي أودت بحياة الآلاف، وشردت نحو 8 ملايين شخص داخل البلاد وخارجها. كما سلطت عدة منظمات الضوء على خطر المجاعة الوشيك.
وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة، فإن واشنطن ومنظمات دولية مدعومة من الغرب قطعت المساعدات الإنسانية عن اللاجئين السودانيين في بعض الدول المجاورة، متجاهلة على ما يبدو خطورة الأزمة التي يواجهها السودانيون. وأعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنه اضطر إلى وقف دعمه لنحو 559 ألف لاجئ سوداني في مخيمات أركوم في تشاد، منذ نيسان/أبريل الماضي بسبب النقص في الأموال. وأكد بيير أونورات، مدير برنامج الأغذية العالمي في تشاد، "الحاجة إلى الجهات المانحة لمنع هذا الوضع من التحول إلى كارثة كاملة".
وذكرت مصادر إعلامية وناشطون حقوقيون أن واشنطن وباريس تضغطان على الأمم المتحدة لوقف مساعداتها للاجئين السودانيين في المخيمات التشادية، الأمر الذي يعرض نحو 1.5 مليون لاجئ لخطر المجاعة.
التفرقة العنصرية
وفي سياق متصل، كان لدى أليكس ويلكس، محامي حقوق الإنسان والعضو في نقابة المحامين الدولية، الكثير ليقوله عن الفارق الواضح للغاية في كيفية مساعدة الأمم المتحدة والسودان. يعتقد أنها عنصرية صريحة. من الجنون مقارنة حجم المساعدات التي تحصل عليها أوكرانيا من المصادر الغربية والأميركية في مقابل النقص الحاد في الدعم الذي تعانيه دول مثل السودان، وخصوصاً أن الأزمات في السودان والدول الأفريقية الأخرى تكون في بعض الأحيان أكثر إلحاحاً! هذا النوع من عدم المساواة هو تمييز عنصري صارخ من جانب أولئك الذين من المفترض أن يحاربوا العنصرية.
ويأمل ويلكس حقاً أن تتمكن المنظمات الإنسانية من البقاء على الحياد وعدم الاستسلام للضغوط السياسية من الحكومات الغربية. ولاحظ بعض الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان أن هذه العنصرية تظهر حتى في سياسات اللجوء. على سبيل المثال، تهدف الدول الغربية إلى مساعدة اللاجئين المضطهدين ما لم يكونوا أفارقة، والذين تَعُدّهم "مشكلة". ويواجه هؤلاء اللاجئون الأفارقة أيضاً تحديات مروعة في رحلتهم.
وأرسلت بريطانيا، على سبيل المثال، بعض اللاجئين الذين وصلوا إلى شواطئهم إلى رواندا في أفريقيا. وفي الوقت نفسه، لم تتمكن الدول الأوروبية من التنافس، بالسرعة الكافية، في الترحيب باللاجئين الأوكرانيين. يوضح هذا المعيار المزدوج أن المنظمات الدولية والحكومات الغربية تتعامل مع القضايا الإنسانية بطريقة تمييزية للغاية.
بالنتيجة، فإن واشنطن ودولاً غربية تستخدم هذه السياسات للتلاعب بالأزمات الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية. قادة هذه البلاد يحولون الناس في البلدان المتضررة إلى مرتزقة، ويستخدمونهم في الصراعات العالمية في مقابل البقاء في قيد الحياة، وهو مجرد شكل مقزز من أشكال الابتزاز.