هل تعود أزمة الصواريخ؟

11.10.2016

كثيراً ما يعود في أذهاننا مصطلح الحرب الباردة التي كانت بعد الحرب العالمية الثانية والتي استمرت نحو خمسين عاماً بين القطبين الكبيرين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي. وكانت هذه الحرب قائمة على مناطق النفوذ والسيطرة، وانتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991.. ولكن السؤال هل تعود الحرب الباردة الثانية مجدداً على الأرض السورية، بعدما كانت في كوبا وفيتنام، وأفريقيا، وكوريا ودول أوروبا الشرقية؟
اليوم تحاول روسيا أن تأخذ دورها في إقامة النظام الدولي الجديد، وهي لذلك اعتبرت منذ بداية العدوان الكوني على سورية، إن هذه الأزمة ستقرر مصير النظام العالمي الذي بدأ يأخذ شكله الجديد مع الدور المتصاعد للاتحاد الروسي، وقد بدا هذا الدور مع الدخول الروسي العسكري المباشر قبل أكثر من سنة في حربه ضد التنظيمات الإرهابية ليثبت دوره في دعم الدولة السورية، في إطار اتفاقية الدفاع الاستراتيجي الموقعة بين الدولتين.
الدخول الروسي القوي والشرعي في الأزمة السورية، يكاد أن ينتهي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية التي هددت باستخدام القوة ضد الجيش السوري لدعم التنظيمات الإرهابية، ما استدعى من الكرملين توجيه إنذار قوي من أن استهداف الجيش السوري يعني استهدافاً للقوات الروسية المنتشرة في بعض الأراضي السورية ملوحاً باستخدام صواريخ «إس 300» و«إس 400» لمنع تكرار العدوان الأميركي على مواقع الجيش السوري في دير الزور دعماً لتنظيم «داعش». وهو ما يذكر بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي كادت ان تؤدي إلى مواجهات نووية بين الجبارين.
من المفيد استحضار التاريخ لنفهم ما يجري على أرضنا السورية.. وتبدو فكرة استحضار التاريخ مهمة أحياناً، فهو صورة عن الواقع الراهن، ولكن بإحداثيات مختلفة.. أي أن السيناريو قد يكون ذاته مع اختلاف الشخصيات وتباين في الإطارين الزماني والمكاني لحركتها، ولعل المراقب المتابع يرى في أحداث الأزمة الكوبية مطلع الستينيات من القرن الماضي والتي عُرفت بـ «أزمة خليج الخنازير» ما يشابه كثيراً ما يجري في سورية هذه الأيام.
الموقع الأميركي هو ذاته، في أزمة كوبا كما في الأزمة السورية، ففي الأولى دعمت واشنطن بعض المرتزقة وفلول باتيستا الذي كان يحكم كوبا قبل انتصار كاسترو وتدريبهم ودعمهم بالمال والعتاد في محاوله لاستعادة كوبا وإعادة الهيمنة على البلد الذي تحول بالكامل إلى نقطة ضعف في خاصرة الولايات المتحدة الأميركية لتندلع بعدها بسنتين تقريباً ما يُسمّى «أزمة الصواريخ السوفياتية».
بدأت الأزمة عندما قام الاتحاد السوفياتي بنشر صواريخ نووية في شبه الجزيرة الكوبية موجهة نحو الولايات المتحدة الأميركية كرَدٍّ على نشر الولايات المتحدة صواريخ جوبيتير في كل من إيطاليا وتركيا.
اعتبرت موسكو يومها أن الأزمة ناتجة عن عدم رغبة الإدارة الأميركية في الاعتراف بالاتحاد السوفياتي كلاعبٍ مساوٍ لها في الساحة الدولية. وقد أدى ذلك إلى احتدام الحرب الدبلوماسية والتصريحات النارية من كلا الجانبين، حتى أن الجميع ظن أن الأمور متجهة نحو صدامٍ نووي بين الطرفين. وانتهت عندما أرسل الرئيس السوفياتي خروتشوف رسالة واضحة للرئيس الأميركي كيندي مفادها «أنا وأنت نمسك بطرفي حبل معقود وقد نصل لمرحلة لا يفك هذه العقدة إلا السيف». فكان أن سحبت أميركا صواريخها من تركيا وروسيا من كوبا، واشترطت واشنطن ألا يكون الاتفاق مكتوباً حفظاً لماء الوجه ومن ثم تم نزع فتيل الأزمة.. فهل سيكرّر التاريخ نفسه ويتكرّر السيناريو الكوبي مرة أخرى ولكن في سورية؟

نشرت في يومية البناء