فلسفة الكم وزوال الإمبراطوريات
التاريخ يتحدث عن نشوء إمبراطوريات كبرى كثيرة، منها ما استمر لقرون ومنها لأقل من قرن ومنها لسنوات. العديد منها تشكل في منطقتنا العربية منذ بداية العهد الإسلامي، أغلب الناس يعرفون الإمبراطورية العربية في العصرين الأموي، الذي انتشر من آسيا إلى أفريقيا ووصل حتى أوروبا، والعباسي الذي امتد لفترة أطول ، والجميع يتذكر الإمبراطورية العثمانية التي حكمت عالمنا العربي لأكثر من أربعمائة عام وسببت ما سببته من تخلف وجهل في الساحة العربية. أما في العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية فالشكل الإمبراطوري كان يتمثل بالإمبراطورية الروسية التي تحولت إلى الشيوعية منذ عام 1917 وكانت تتنافس مع الإمبراطورية الأمريكية التي اتسمت بصفات الخداع والمكر حيث أنها تتحدث عن قيم الحرية والديمقراطية وتسلك طريقا يتسم بالجشع والعمل على السيطرة على خيرات شعوب العالم للمحافظة على الريادة العالمية والبقاء على أعلى درجات السلم الإمبراطوري.
قد تكون هذه المقدمة التاريخية المبسطة ضرورية لتذكر بعض هذه الإمبراطوريات ودراسة بعض أسباب فشلها واضمحلالها وزوالها في النهاية، ولكننا سنتناولها اليوم من منظور جديد تماما، وهو منظور فلسفة الكم، فقد يكون في دراستنا بعض الأفكار الجديدة التي سنستطيع من خلالها تفسير سبب زوال الكثير من هذه الإمبراطوريات وبقاء بعضها الآخر، وأيضا وربما يكون من أهم أسباب هذه الدراسة توقع زوال إمبراطورات حالية وصعود بعضها الآخر.
تحدثنا في مقال سابق عن القيم والمصالح وشرحنا فيه كيف أن العالم اليوم منقسم إلى محورين بشكل رئيسي: محور يعتمد القيم قولا وفعلا وتقوده روسيا الاتحادية والصين ودولا أخرى في العالم وينتمي لهذا المحور في منطقتنا كل من إيران وسوريا وحزب الله، ومحور آخر يدعي التمسك بقيم الحرية والديمقراطية ويسلك سلوكا مختلفا عن ذلك بل يعاكسه تماما من خلال اضطهاد الشعوب والوقوف مع الحكام المستبدين الذين يعملون تحت قيادة هذا المحور- الولايات المتحدة والغرب- ليحققوا لهم بعض المصالح متناسين جميع القيم وكل أشكال حقوق الإنسان والقانون الدولي فقط من أجل تحقيق مصالحهم مهما كلفت مواقفهم البشرية من أذى ودمار.
دعونا نعود الآن إلى فلسفة الكم وما تقوله هذه الفلسفة الجديدة التي تشكلت من خلال ظهور فيزياء الكم وقوانينها التي اختلفت كثيرا عما عرفناه في الفيزياء الكلاسيكية - فيزياء اسحاق نيوتن – التي جعلت النظرة المادية للكون هي النظرة السائدة ورفضت كل أشكال التفكير غير المادي، حتى بما يخص حياتنا اليومية وبما يخص أجسامنا وصحتنا، فعلى سبيل المثال تعتبر النظرة المادية في الطب هي السائدة في هذا المجال على الرغم من تقدم الطب ووصوله إلى مراحل متطورة جدا، وعلى الرغم من ذلك فما يزال الطب يعالج عوارض المرض ولا يعالج أسبابه، فيستخدم الإنسان مسكنات الألم لمعالجة الألم ويستخدم الجراحة لاستئصال مرض خبيث، ويتناسى غالبا الأسباب الجوهرية التي سببت هذا الألم أو هذا المرض الخبيث. ولا بد من الإشارة هنا إلى إقرار العلماء بوجود ظواهر غير مادية في الطب مثل ظاهرة بلاسيبو وهي ظاهرة تعتمد على فكر المريض وإيمانه بأن حبة الدواء التي يأخذها هي مفيدة وشافية على الرغم من عدم احتوائها على أية مادة فعالة.
لعل الكثيرين يجهلون أن أفكارنا ومشاعرنا هما القوتان الأساسيتان الفاعلتان اللتان ترسمان صورة حياتنا وصورة مستقبلنا، نحن ندرك الأشياء من خلال أحاسيسنا ونشكل الخبرات اليومية التي تتكامل لتشكل الوعي لدينا، وتقول الدراسات أن حوالي 60000 فكرة تجول في أذهاننا يوميا وبعضها يحرك ويحرض لدينا مشاعر مرتبطة بها من خلال الذكريات التي عشناها، وكل هذه الأفكار وهذه المشاعر هي موجات كهرومغناطيسية نرسلها إلى الكون الذي يستقبلها ويعالجها ويخزنها ويرسل لنا أجوبته على هذه الرسائل، ولعل سرعة إجابة الكون على رسائلنا تتعلق بشدة الموجة الكهرومغناطيسية والتي تزداد بازدياد الشحنة العاطفية وتزداد أكثر عندما يشترك مجموعة من الناس بإرسال نفس الرسالة وبشحنات عاطفية كبيرة مما يؤدي إلى سرعة إجابة الكون وتحقيق الطلب، أما الإيمان بتحقيق الطلب ووجود الإرادة لتحقيقه فهما عاملان مهمان أيضا في تحقيق الكون لما نريد ونتمنى.
نعود الان إلى الإمبراطوريات ونبحث تاريخيا عما حدث في هذه الإمبراطوريات قبل تفككها وزوالها، لنرى ما القوة السحرية التي تملكها أفكارنا وخاصة عندما ترتبط أفكارنا هذه مع مشاعر صادقة خارجة من القلب، سنعتمد أمثلة عن الإمبراطوريات التاريخية التي تشكلت في عصرنا الحديث نتيجة معرفتنا بتفصيلاتها، فعندما يتفشى الفساد والظلم والدكتاتورية والأذى للناس من خلال حرمانهم من أبسط حقوقهم، وليس المجال في هذا المقال للتفصيل في ذلك، ولكن هذا الظلم الجماعي للناس يجعل الناس يفكرون بشكل متواصل بهذا الظلم وبالتالي بشكل لا إرادي يرسلون الرسائل المتواصلة إلى الكون حول ما يتعرضون له من ظلم فتتراكم هذه الرسائل لدى الكون، ولا يشعر الناس إلا وظواهر الاضمحلال والتفكك قد بدأت بالظهور في هذه الإمبراطورية أو تلك ولا يشعر الناس إلا والإمبراطورية قد زالت من الوجود. إنها قوة
أفكارنا الخلاقة التي إن ارتبطت مع مشاعرنا القلبية اشترك الناس في إرسالها جماعيا إلى الكون فسيقدم الكون الفرصة لزوال أية إمبراطورية مهما بلغت قوتها وقدرة دمار أسلحتها.
لعل زوال الاتحاد السوفييتي القريب بالأمس ليس إلا مثالا حقيقيا عن ذلك الظلم الذي كان عاما على الناس فإذ برسائل الناس تحملها أفكارهم إلى الكون، حيث لا يستطيع أحد مراقبتها ومعاقبة أصحابها، وتصل إلى الكون ليعطي الكون جوابه واضحا وجليا ويغيب ما يسمى بالاتحاد السوفييتي عن المشهد الدولي في غمضة عين. ولعل طريقة زوال الاتحاد السوفييتي هي دليل على دقة الكون في معالجة الرسائل التي تصله، فقد كره غالبية الشعب الروسي ظلم النظام السوفييتي ومنعه الناس من الانطلاق اقتصاديا وفكريا، ولكنه تميز كشعب ذي تاريخ عريق بقيم عظيمة وبإيمان بقيم المسيحية السمحاء ويرى في بلده روسيا قوة عالمية كبيرة تستحق أن تكون في موقع الريادة، ولكنه في نفس الوقت لم يكن يحب ذلك النظام الشيوعي المستبد، فكانت النتيجة زوال النظام الشيوعي وبقاء أركان الإمبراطورية الروسية مثلما كان الشعب الروسي يفكر ويؤمن، فكانت قوة أفكار الشعب الروسي هي القوة الخلاقة التي سببت زوال الاتحاد السوفييتي وتشكيل الإمبراطورية الروسية من جديد.
أما الإمبراطورية الأمريكية الحالية فقد رسمت لنفسها طريقا متوحشا للسيطرة الاقتصادية على العالم من خلال الليبيرالية الجديدة، ومن خلال اعتماد الحروب بأشكالها التقليدية والناعمة لتحقيق مصالحها، فتقتل الناس غربا وشرقا وهي تدعي الدفاع عن قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، وهي تسحب معها حلفاءها من الدول الغربية إلى الكثير من الحروب فيشتركون معها في حروب كثيرة مثل حرب أفغانستان وحرب العراق ويشتركون معها أيضا في حروبها الناعمة من خلال الفوضى الخلاقة والثورات الملونة، فيموت الكثير من الناس ويشرد الكثير من الناس وتتصاعد آهات المعذبين إلى هذا الكون تسأل القصاص وتطلب الخلاص من هذا الوحش الذي لا يرحم ويسبب كل هذه الحروب والعذابات ، ولعل الحرب السورية هي مثال واضح عن الحروب الناعمة والحروب بالوكالة التي أشعلتها الولايات المتحدة والدول الغربية بمساندة حلفائها من دول المنطقة التي تتحرك بالوكالة عن الإمبراطورية الأمريكية، والنتيجة الواضحة أن ملايين الناس من المعذبين من الذين ظلمتهم الولايات المتحدة يرسلون رسائل الشكوى من خلال أفكارهم المحملة بالألم والعذاب فلا يجدون لهم ملجأ إلا الله وهذا الكون الذي خلقه الله ليكون قادرا على استقبال رسائلهم وإرسال الجواب المناسب لهم، وإنه لأمر مؤكد لي بأن جواب هذا الكون سيكون إنهاء هذه الإمبراطورية التي خالفت قيم السماء وقتلت وظلمت ملايين البشر لتنعم هي وحدها بالرخاء والرفاهية، على الرغم من أن جميع الديانات السماوية تؤكد عظيم قيمة الإنسان على هذه الأرض وأن هذا الكون كله وجد لخدمة الإنسان وليس لقتله أو لتعذيبه. فانتظري يا أمريكا جواب هذا الكون. هذا استنباط مبرر من فلسفة الكم، والتاريخ يشهد أن كل الإمبراطوريات التي قتلت وظلمت كان مصيرها إلى زوال.