دور روسيا في استقرار أسواق النفط
اللافت في المحادثات الجارية بين الدول المنتجة للنفط داخل «أوبك» وخارجها، بهدف تحقيق استقرار أسواق الخام، هو الدور البارز والإيجابي الذي تؤديه روسيا. وعبّر عن هذا الدور الرئيس فلاديمير بوتين، في كلمته أمام مؤتمر الطاقة العالمي في إسطنبول، بالقول أن بلاده «مستعدة لمشاركة أعضاء المنظمة في التثبيت المقترح لإنتاج النفط». وأضاف أنه يأمل بـ «أن تؤكد أوبك قرار تحديد حصص للإنتاج، عندما تعقد اجتماعها في تشرين الثاني (نوفمبر)».
ووقع وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح، ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، مذكرة مشتركة في شأن سوق النفط في 5 أيلول (سبتمبر)، على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة خوانجو الصينية، أعلنا فيها «تشكيل مجموعة عمل لمراجعة العوامل الأساسية (العرض والطلب) في سوق النفط، ستعكف على وضع توصيات بالإجراءات والخطوات المشتركة اللازمة لضمان الاستقرار في سوق النفط ومنع تقلبات الأسعار».
ثمة تغير ملحوظ في موقف روسيا التي كانت بداية تشترط لتتعاون مع «أوبك»، اتفاق دول المنظمة أولاً في ما بينها. أما الآن، فموسكو قد تستعمل علاقاتها مع دول حليفة مثل إيران، لثنيها عن موقفها المطالب باستثنائها من الاتفاق العتيد لتحديد الإنتاج. لكن على رغم هذه الخطوات الإيجابية، ثمة مؤشرات غير مطمئنة، فللشركات الروسية خطط لزيادة الإنتاج نحو ثلاثة في المئة في 2017 مقارنة بهذا العام. وتختلف الخطط بين الشركات الكبرى، فـ «لوك أويل» ستواجه انخفاضاً طبيعياً في إنتاجها، بينما تعمل «روسنفت» لزيادة إنتاجها.
تحاول «أوبك» منذ فترة طويلة، التعاون مع الدول المنتجة غير الأعضاء فيها، خصوصاً في فترات اضطراب الأسواق. وتركزت الاتصالات بداية على المكسيك والنروج، ثم عُقِدت لقاءات مع روسيا من دون نتائج إيجابية تذكر. وشكا مسؤولون في المنظمة من عدم التزام روسيا بما تتفق عليه مع «أوبك». لكن التغيير في الموقف الروسي يعود إلى تغيرات في صناعة النفط العالمية، فإمدادات النفط الأميركي غير التقليدي وضعت الصناعة عند مفترق طرق: إذا ارتفعت الأسعار تزداد إمدادات النفط غير التقليدي، وإذا انخفضت عن نطاق معين تهتز موازنات الدول المنتجة. هذا يعني قيام مصلحة اقتصادية مشتركة بين منتجي النفط التقليدي.
وثمة متغيرات جيوستراتيجية، فالعلاقات الخليجية - الأميركية في تغير، وكذلك علاقات روسيا مع دول «أوبك»، فهناك علاقة استراتيجية تربط روسيا بإيران والجزائر وفنزويلا، بينما علاقات روسيا مع العراق وليبيا لم تعد كما كانت. ومن خلال علاقاتها هذه، تستطيع روسيا أداء دور الوسيط مع بعض أعضاء المنظمة، وهو دور لا تستطيع دول المنظمة أداءه مع بعضها بعضاً - مثلاً، الخلاف الخليجي - الإيراني داخل المنظمة. وثمة تحييد واضح للخلافات السياسية، وخير مثل على ذلك الخلاف بين موسكو والرياض حول سورية، الذي لم يمنع توقيعهما اتفاقاً مهماً للتعاون النفطي. وتحييد الخلاف السياسي ليس جديداً، فهناك مثلاً سابقة تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا بكميات ضخمة منذ الثمانينات.
للدول غير الأعضاء في «أوبك» دور مهم في صناعة النفط الدولية، لا يمكن التغاضي عنه أثناء الأزمات. وما الأزمة الحالية في الأسواق إلا نتيجة لزيادة إمدادات النفط الصخري الأميركي. تشير معلومات وكالة الطاقة الدولية إلى أن مجمل إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة سيبلغ خلال 2016 نحو 52 مليون برميل يومياً، أو نحو 62 في المئة من مجمل الإنتاج العالمي. وأكبر دولة منتجة خارج المنظمة هي الولايات المتحدة التي يبلغ إنتاجها نحو 12.5 مليون برميل يومياً، أو نحو 22 في المئة من مجمل الإنتاج العالمي.
وتأتي روسيا في المرتبة الثانية بين الدول غير الأعضاء، إذ يقدر معدل إنتاجها بنحو 11.2 مليون برميل يومياً. وتأتي كندا ثالثة، إذ يقدر معدل إنتاجها بعد حرائق غابات ألبرتا بنحو 4.4 مليون برميل يومياً. ويبلغ إنتاج الصين، رابع دولة في هذه المجموعة، نحو أربعة ملايين برميل يومياً. ويتوقع ازدياد إنتاج البرازيل البحري خلال السنوات القليلة المقبلة نحو 300 ألف برميل يومياً، كما يتوقع ارتفاع إنتاج كازاخستان مع بدء التصدير من حقل كاشغان العملاق، نحو 370 ألف برميل يومياً في 2017. وثمة زيادات أخرى في الإنتاج متوقعة من خارج «أوبك»، ناهيك عن زيادات إنتاج الدول الأعضاء.
أمام المحادثات المستمرة الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق، عقبات كثيرة. ويبرز بعض هذه التحديات من خارج المنظمة، وبعضها الآخر من داخلها. تطالب أربع دول باستثنائها من توقيع الاتفاق المتوقع في 30 تشرين الثاني. وهناك خلافات حول مستوى إنتاج بعض الدول الواجب اعتماده. وتبنت دول موازنات لعام 2017 تعتمد زيادة الإنتاج.
تكمـــن أهميـــة تعاون روسيا مع «أوبك» حالياً، في حجم الإنتاج الروسي الضخم الذي يزيد عن 11 مليون برميل يومياً، وتضرر روسيا الاقتصادي من تدهور الأسعار، واستعداد موسكو للتعاون، وعلاقات روسيا الوثيقة مع عدد من دول «أوبك»، في وقت تواجه المنظمة صراعات بين أعضائها، تعرقل التوصل إلى حلول وسطية في ما بينها.
وليد خدوري – "الحياة"