بارانويا عثمانيّة

15.03.2017

لا يمكن ان تنظر الى النظام في سوريا على انه نظام مقدس. مآثره لا تزال ماثلة امامنا, ولا يمكن ان نتصور ان إيران ساعدتنا على دحر الاحتلال لـ«وجه الله»، وانها غسلت يديها من التاريخ ومن آثام و(عقد) التاريخ.

لكننا واثقون انه  لولا رجب طيب اردوغان لما انهارت سوريا، لتنهار معها المنطقة العربية بكاملها (من يقول لا؟)، ولولاه لما تمزق العراق الذي تنتظره بعد الموصل ايام عاصفة.

ها ان الصحافيين الذين ينقرون الدفوف حوله، ويشاركونه رقصة الدراويش، يكتشفون ان هولندا المسيحية كانت تحتل اندونيسيا المسلمة، وان نابليون بونابرت احتل مصر وخليفته هنري غورو ضرب ضريح صلاح الدين في دمشق بحذائه.

قطعاً لم يستذكر الصحافيون اياهم مشانق جمال باشا في ساحة البرج وفي ساحة المرجة، وان آباءه دفعونا الى خارج الزمن حين كان يفترض بنا ان نتفاعل مع عصر الانوار في اوروبا، وكان للعرب فيه اليد الطولى، وان ننخرط في ثقافة المداخن.

هذا لا يعني، في اي حال، تبرئة الغرب مما صنعت يداه. اليست الولايات المتحدة هي التي ارست في العالم العربي انظمة القرون الوسطى، وايديولوجيات القرون الوسطى. وقبائل القرون الوسطى، لكي تموت ثرواتنا بين قدمي شهرزاد او على ابواب مصانع السلاح التي لولا العرب، وبداوة العرب، لاقفلت ابوابها.

رجل البارانويا. هكذا وصفوه في اوروبا. اي منطق ان تنظم اجتماعات جماهيرية في المدن الاوروبية، ويخطب فيها وزراء اتراك، من اجل حمل الجاليات التركية، المنقسمة على نفسها، على تتويج رجب طيب اردوغان سلطاناً في 16 نيسان المقبل؟ وماذا اذا اندلعت الاشتباكات بين الاتراك والاتراك وبين الاتراك والاكراد؟

وهل يحتاج الى استفتاء الرجل الذي دفع بآلاف الجنرالات والضباط والقضاة واساتذة الجامعات اما الى المعتقلات او الى المنازل، هكذا لمجرد الشك في انهم شاركوا او تعاطفوا مع انقلاب تموز؟

بكل بساطة، كان باستطاعته اعلان نفسه سلطاناً من المسجد الازرق في اسطنبول، بعدما حلم بالوصول الى صهوة حصانه الى الجامع الاموي في دمشق والى جامعة المستنصرية في بغداد لكي يكتمل جناحا السلطنة.

هل يقرأ اردوغان ما تكتبه الصحافة الاوروبية. اذا كانت هولندا، بثقافة الورود في امستردام والتي ينحني فيها الكاهن امام اطفال اللاجئين، «جمهورية الموز» كما وصفها, ماذا يمكن وصف تركيا في عهده «جمهورية العصا» ام «جمهورية الغيب»؟

اي صوت يمكن ان يرتفع في تركيا حين يقيم رئيس الدولة الدعوى على ملكة جمال بلاده لانها انتقدت، وبلغة مخملية، سياساته الداخلية؟

اذا كانت دولته مزدهرة فماذا يفعل 3 ملايين تركي في المانيا؟ وماذا يفعل مليون ونصف مليون تركي في هولندا؟

صحافية هولندية قالت «هؤلاء ضيوفنا، فلماذا يريد اردوغان تحويلهم الى جيش احتلال؟». هو الذي يعلم كيف يتم التعامل مع الاتراك في اوروبا اكانوا في ضيافة انغيلا ميركل ام في ضيافة مارك روتي.

اردوغان توعد هولندا بالعقوبات ووصفها بعاصمة الفاشية. لن يستورد منها الورود ولا الحليب. ماذا اذا قال الهولنديون «... ونحن لن نستورد الاتراك؟».

لا بأس مارك روتي يظل اقل وهجا من انغيلا ميركل التي اتهمها بالنازية وبدعم الارهاب. السيدة التي فتحت ذراعيها للاجئين السوريين والتي لم تقم، كما اقام هو، معسكرات لابي بكر البغدادي ولابي محمد الجولاني، ولكل برابرة هذا الزمان، هي حفيدة ادولف هتلر. هكذا قال عبر الشاشات صحافي من حزب العدالة والتنمية.

ألمان ردوا «ها ان هتلر آخر يظهر بين انقاض السلطنة العثمانية». الم يفعل اردوغان في سوريا والعراق ما فعله زعيم الرايخ الثالث في هولندا وبولونيا وحتى في فرنسا؟

رجل يكرهه كل العالم, لكنه الراقص المحترف. يعرف كيف يذهب بالأزمة الى حدودها القصوى ليستقطب النزعة الطورانية (او العثمانية) لدى بني قومه. والمثير ان نقرأ ان رجل البارانويا قد لا يجد مناصاً في نهاية المطاف سوى ان يمد يده الى بشار الاسد معتذراً، ويخرج عبدالله اوج الان من زنزانته. تعال نتفاوض.

في رقصة الدراويش، لابد ان يخّر الراقص الاكبر مغشياً عليه!