عبد الله وفلسفة الكم
إنه شاب صغير لا يزيد عمره عن الأربعة عشر ربيعا، اسمه عبد الله يسكن مع أخيه ووالديه في بيت ريفي بقرب مدينة جبلة. كان ذاهبا مع أخيه لتقديم امتحان الشهادة الإعدادية عندما حصل تفجير إرهابي هو من حيث الحجم وعدد الضحايا من أكبر التفجيرات الإرهابية التي حدثت في سوريا منذ بداية الحرب. لا أبالغ أبدا إذا قلت أن عدد الشهداء بالمئات والجرحى بالمئات أيضا. ولكن ما لفت انتباهي ذلك الحقد الكبير على الشعب السوري من خلال طريقة التفجير والتخطيط "المدروس بعناية" لقتل أكبر عدد من الناس، وبطريقة لم أسمع بها من قبل، ولعل الكثيرين في سوريا وخارج سوريا وحتى من أولئك الذين يعيشون الحروب أو يدرسونها لم يسمعوا بذلك أيضا. وكوني من أبناء جبلة الذين عاشوا كل هذه العذابات التي نتجت عن هذا التفجير الرباعي وفقدت في هذا التفجير اثنين من أبناء عمي استسمح القارئ الكريم لهذه التفصيلات التي سأذكرها.
تم اختيار مكان يجتمع فيه الناس في هذا الوقت وهو مكان تجمع الباصات التي تنقل المواطنين من وإلى جبلة من الريف التابع لمدينة جبلة ومن المدن الساحلية الأخرى. تفجير كبير بسيارة مفخخة في هذا التجمع كانت آثاره مروعة ليس فقط في مكان تجمع الباصات وإنما طال منطقة أبعد من ذلك من خلال الشظايا الموضوعة ضمن القنبلة المتفجرة لقتل أكبر عدد ممكن من الناس. يقع هذا التجمع في منطقة تتوسط مبنى مديرية الكهرباء ومدخل جبلة الشرقي، بعد التفجير خرج الناس من كلا الاتجاهين الشرقي (مديرية الكهرباء) والغربي مدخل المدينة ليروا آثار الانفجار، ونتيجة لخبرة الناس بالانفجارات، نتيجة لكثرتها في بلدنا، فقد ظلوا بعيدين عن مكان الانفجار الأول تحسبا لانفجار لاحق، لكنهم للأسف لم ينجحوا فقد كان المخطط لهذه العملية أكثر "دهاء" فاتجه انتحاري بحزام ناسف باتجاه الشرق وفجر نفسه أمام مبنى مديرية الكهرباء واتجه انتحاري آخر باتجاه الغرب وفجر نفسه بالقرب من الناس عند مدخل جبله. أما التفجير الرابع فقد لا يستطيع توقعه أحد أبدا إذ ذهب انتحاري أو انتحارية وراء المصابين إلى مستشفى جبلة وفجر نفسه في قسم الإسعاف وقتل وجرح الكثيرين أيضا.
ألا يدلكم هذا "الإبداع" في القتل على شيء ما ؟ لعلنا عندما شبهنا الإرهاب في مقال سابق بالورم السرطاني كان تشبيهنا ناقصا وأقل من الواقع، طبعا لمن يريد أن يتبصر الحقائق ويرى المشهد بما يحويه من حقد عجيب لم تعرفه الإنسانية مسبقا، أما أولئك الذين يخططون ويأمرون ويستخدمون هذه الدمى البشرية الجاهلة فهم الفاعلون الحقيقيون لهذه المجازر البشرية التي لا يقبلها إنسان سوي ولا مجتمع يملك الحد الأدنى من القيم الإنسانية ولا يقبلها هذا الكون الذي نعيش فيه ونساهم كأفراد ومجتمعات بتشكيل أجزاء منه، وجميعنا حقول طاقة في حقل الطاقة الشامل نؤثر ونتأثر ونرسل رسائلنا إليه ونستقبل ردوده لنا.
أنا لا أعتقد اعتقادا راسخا وحسب بل أقول متأكدا، أن الكون الذي يستقبل هذه المشاعر والعذابات التي يرسلها هؤلاء المظلومون إلى الكون سترتد علينا جميعا ويلا وثبورا، وليس على السوريين وحسب بل على العالم كله الذي يدعم هذا الإرهاب أو يكتفي بالمراقبة ولا يستطيع سماع صراخ وآهات السوريين، فالعالم الذي يعرف كيف يخطط للإرهاب ويؤمن له كل ما يحتاجه، حتى تلك الأنواع من المخدرات التي يستخدمها الانتحاريون والتي تؤثر على الغدة الصنوبرية الموجودة في وسط الدماغ فيشعر الانتحاري من خلال تأثير هذه المواد أنه يعيش السعادة المطلقة في كل الظروف، فيفجر نفسه ليقتل، هو عالم يعرف من خلال العلم الحديث كيف يقتل فقط وسيكون الكون له قريبا بالمرصاد. ولكن ما أخشاه أن رد الكون سيكون قاسيا لدرجة تطال الجميع حتى الصالحين فينا.
شدة وكثافة الموجة الكهرومغناطيسية التي نرسلها إلى الكون تتعلق بالشحنة العاطفية المصاحبة لها، وعندما تكون الشحنة قوية لدى الإنسان فسيكون الجواب أسرع من الكون، وعندما يجتمع الناس على إرسال نفس الرسالة من قبل الجميع فستكون الاستجابة أسرع وأسرع. فيزياء الكم وفلسفة الكم لم تعد خيالا علميا بل أصبحت علما حقيقيا يمارسه الكثيرون ويستطيعون تحقيق الكثير مما يريدونه من خلال فهمهم لهذا العلم.
عبد الله هذا الطفل الشهيد الذي ناله الإرهاب منذ أيام قضى في المستشفى أياما قبل أن يموت، وعندما كنت في زيارة والده للقيام بواجب التعزية حدثني هذا الوالد المتألم أن البعض أخبره عندما كانوا يحفرون قبر عبد الله ليواروه الثرى أن السماء ستمطر فقال هذا الوالد الحزين على ولديه (الأول عبد الله مات شهيدا والأخر أكبر منه بسنتين يعاني من جروح كثيرة وكسور متعددة) قال لهم بل إن الأرض ستكون بيضاء. وهكذا لم تمض إلا دقائق وقد أرسلت السماء نوعا من البرد الأبيض فغطى الأرض وكساها بالبياض. رحم الله الشهيد عبد الله وكل الشهداء الذين يرسلون معنا مزيدا من الرسائل إلى الكون فلعل قلوبنا تصبح بيضاء أيضا.