آفاق ضبابية لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي
تحول إحتمال خروج المملكة المتحدة من هيكل الاتحاد الأوروبي، من مشكلة أوروبية إلى مشكلة دولية. وأعربت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد اند بورز" وصندوق النقد الدولي عن مخاوفهما بالفعل. وللحملة ضد "الخروج" انضم الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي كرس لهذا الغرض، آخر رحلاته إلى بريطانيا كرئيس للولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يخدم تدخل الزعيم الأمريكي مصالح الاتحاد الأوروبي، بل على العكس من ذلك، أثار أوباما حفيظة الكثير من البريطانيين، وتسبب في نفس الوقت بسجالات سياسية خطيرة.
بدأ مؤيدو ومعارضو "الخروج" حرب الصحف. وعلى الرغم من أن أوباما صرح عشية زيارته، بأنه لن يتدخل في الشأن الداخلي البريطاني، فهو عرض موقفه بشكل واضح جدا، متوجها إلى البريطانيين بمقاله العاطفي "الاتحاد الأوروبي يضاعف قوة المملكة المتحدة في العالم" على صفحات "ديلي تلغراف".
وأشار الرئيس إلى التضحيات التي قدمتها الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، من أجل أوروبا الموحدة، مشيرا إلى أنها ولدت من رماد الحرب. وأضاف أن "العلاقة المميزة" بين بريطانيا والولايات المتحدة، تم تثبيتها بدماء جنودنا. وعشرات الآلاف من القتلى الأمريكيين "هم شاهد صامت على مدى تشابك ازدهارنا وأمننا في الواقع". والخروج من الاتحاد الأوروبي سيلغي كل هذا، وسيعقّد بالمناسبة حل العديد من قضايا الساعة - من أزمة الهجرة ومكافحة الإرهاب وحتى المشاكل البيئية وانعدام المساواة الاقتصادية.
وشدد أوباما على أن العضوية في الاتحاد الأوروبي، زادت من أهمية المملكة المتحدة على المسرح العالمي، وعززت الكتلة الأوروبية وجعلتها أكثر انفتاحا على الدول الأخرى. مؤكدا أن "أوروبا القوية ليست تهديدا للموضع القيادي العالمي لبريطانيا العظمى، بل هي تعزز ذلك. والولايات المتحدة ترى كيف أن صوتكم المهم في أوروبا يضمن الحفاظ على موقف أوروبا القوي على الساحة العالمية، ويجعل الاتحاد الأوروبي مفتوحا، ومتوجها نحو المستقبل، ومرتبطا بحلفائه على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي بشكل وثيق. إذا كنا نتحدث عن خلق فرص العمل والتجارة والنمو الاقتصادي بما يتماشى مع قيمنا، فإن المملكة المتحدة استفادت من عضويتها في الاتحاد الأوروبي".
وفي لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، واصل أوباما خطابه العاطفي، قائلا ان الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيضر بالاقتصاد البريطاني ولندن ستصبح "في ذيل قائمة العواصم" الراغبة في إبرام اتفاقية تجارية مع واشنطن. وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستكون ضد، ولكنها الآن مهتمة أكثر من ذلك بكثير، بالتعاون "مع الاتحاد الأوروبي والتكتلات التجارية الكبرى"، فالسوق الموحدة ستجلب فائدة استثنائية للمملكة المتحدة، وهذا امر جيد بالنسبة للولايات المتحدة أيضا.
وعلق كاميرون بحذر على بيان أوباما، مكتفيا بالقول ان الاستفتاء القادم هو "خيار سيادي للشعب البريطاني". ولكن عمدة لندن بوريس جونسون، أحد السياسيين البريطانيين الأكثر شعبية، كان أكثر جزما بكثير، ووجه لأوباما ردا لاذعا في صحيفة "صن" قائلا: "نحن نعطي بروكسل 20 مليار جنيه سنويا، أو 350 مليون في الأسبوع، ويتم إنفاق نصف هذا المبلغ من قبل البيروقراطيين الأوروبيين، والنصف الآخر نحن لا ندري مصيره. منحنا السيطرة على حدودنا لبروكسل، وفقدنا السيطرة على سياستنا التجارية، والاتحاد الأوروبي كل عام يكتسب المزيد من السيطرة على السياسة بشكل عام. المحكمة الأوروبية في لوكسمبورغ هي الآن تقرر حقوق الإنسان. وفي محاولتهم اليائسة لحماية اليورو، تعتزم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى اتخاذ مزيد من الخطوات نحو الاتحاد السياسي والمالي"، وسأل جونسون بالمناسبة البريطانيين، هل هم يعرفون من الذين يعملون في ستراسبورغ، ومن الذي يمثل المملكة المتحدة في البرلمان الأوروبي. مؤكدا أن التوجه الأوروبي أدى إلى الركود، وبعض القرارات في بروكسل هي مجرد عبث.
واتهم عمدة لندن الولايات المتحدة بالنفاق ، وأعرب عن ثقته في أن الولابات المتحدة لو كانت مكان بريطانيا، لغادرت منذ فترة طويلة الاتحاد الأوروبي. وقد اتخذ رئيس حزب الاستقلال البريطاني نايجل فرج، موقفا مماثلا، وكتب في تويتر: "بالنظر إلى إعجاب الرئيس أوباما بالاتحاد الأوروبي، أنا مندهش من أنه لا يدعو لفتح الحدود مع المكسيك ومنح المحاكم الأجنبية الحق في الانخراط في الشؤون الأمريكية".
وكان حلفاء كاميرون يأملون في أن تدخل أوباما، سيعزز الحملة ضد "الخروج" وسيقنع المترددين بالوقوف إلى جانب الوحدة الأوروبية، ومع ذلك، جاء التأثير عكس ذلك تماما. وأظهر مسح أجرته قناة "سكاي نيوز"، أن 60٪ من أفراد العينة، يعارضون تدخل رئيس الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للمملكة، كما أظهر الإستطلاع أن مقال أوباما عن جدوى عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لم يسفر عن أي تأثير على قرار 57٪ من البريطانيين. في حين قال 17٪ أن تدخل أوباما يعزز فكرة "الخروج"، ووافق 25٪ فقط على أنه يدعم موقف أنصار منطقة اليورو.
ويقف ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس فقط السياسيون الليبراليون، ولكن أيضا الأرقام المجردة. ففي يونيو/حزيران 2015، خفضت وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" توقعاتها للتصنيف السيادي للمملكة من مستقر إلى سلبي، رابطة تصنيفها بإمكانية "الخروج"، مشيرة إلى أن هذا القرار يهدد جميع المؤشرات الاقتصادية، من استقطاب الأموال في السوق الأوروبية وصولا لتدفقات رأس المال والتجارة مع الاتحاد الأوروبي.
وقالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، إن خطر الخروج من الاتحاد الأوروبي "تحذير، ولكنه ليست إشارة خطر حتى الآن"، ولكن في حال الموافقة على "الخروج"، الوضع سيصبح خطيرا. واضافت "نحن ننظر إلى الخروج بالتأكيد كواحدة من مخاطر الهبوط الرئيسية من حيث النمو الاقتصادي العالمي. زواج دول الاتحاد الأوروبي لديه تاريخ طويل، وأنا شخصيا أتمنى أن لا ينهار".
التوقعات المتشائمة ترسمها أيضا وزارة المالية في المملكة المتحدة. فقبل أسبوع من زيارة أوباما، حذر رئيس الخزانة جورج أوزبورن في مقال له في صحيفة "نيويورك تايمز"، من أنه في حال مغادرة البلاد للاتحاد الأوروبي، سينخفض دخل الخزانة في العام 2030 بنسبة 6٪، وستفقد كل عائلة بريطانية 6100 دولار سنويا. والدولة ستصبح فقيرة بما لا رجعة فيه، وهذا الأمر لن يكون حدثا لمرة واحدة - فالتجارة والاستثمار ستستمر في الانخفاض لأبعد من ذلك.
وقال وزير الطاقة في المملكة المتحدة ابمر رود في وقت سابق، إنه عند مغادرة المملكة للاتحاد الأوروبي، ستضطر البلاد إلى شراء الغاز الروسي. كما حذر كاميرون "ملوك الكحول"، من أن شركات الكحول ستشهد إنخفاضا في الأرباح والصادرات وفرص العمل في حال "ألخروج" من الاتحاد، لأن نصيب الأسد من صادرات الويسكي والبيرة البريطانية، يباع للاتحاد الأوروبي.
وذكّرت "رويترز" بأن المملكة المتحدة تواجه الخيار الذي واجهته السويد والنرويج في العام 1994، حين صوت 52.3٪ من السويديين لصالح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، و52.2٪ من النرويجيين - ضد.
هنريك لارسون، عضو حملة "نعم!" السويدية، يقول إن أنصار التكامل "لعبوا على المخاوف"، وحاولوا اظهار الامكانيات والمزايا الجديدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ووافق انغفار كارلسون، رئيس وزراء السويد في العام 1994، على الأمر، مؤكدا أنه "تم استخدام عامل الخوف من قبل أولئك الذين كانوا ضد الاتحاد الأوروبي"، ولكنهم في النهاية خسروا. وحتى اللحظة الأخيرة، ظل السويديون متشككون للغاية من الانضمام، وتم اتخاذ قرار نهائي فقط في الأسبوع الأخير، والدور الرئيسي لعبته أصوات الشباب.
أما النرويج، فلم تتأثر بالنتائج الإيجابية للاستفتاء في النمسا وفنلندا والسويد، ولاحظت كاثرين كليفلاند، رئيسة حملة "لا!" النرويجية، أن الدور الحاسم، لعبته الدعوة للحفاظ على سيادة المملكة، التي ستضيع بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وتفوقت هذه الحجة على مخاطر احتمالات خسارة النرويجيين لوظائفهم والتباطؤ الاقتصادي.
ويبقى علينا انتظار نتيجة الاستفتاء البريطاني، الذي سيقام يوم 23 يونيو/حزيران. وبدأت رسميا يوم 15 أبريل/نيسان في المملكة المتحدة، فعاليات الترويج والدعاية. وتبقى نتائج استطلاع للرأي العام غير مشجعة سواء للمؤيدين أو المعارضين، فـ40% من المستطلعين يصوتوت لصالح كلا خياري الإستفتاء.